آراء ومواقـف..
الجزائر: ‘ديمقراطية كسيحة’ وربيع
غائب
خالـد الشامـي
لخصت صورة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وهو يدلي بصوته لنفسه من
على مقعده ‘الرئاسي المتحرك’ وضع الديمقراطية في الجزائر، والعديد من البلاد العربية
التي ما زالت تعيش تحت حكم شمولي طال أمده، في محيط مثقل بالإحباط والغضب والترقب يشبه
برميلا من البارود.
وتساءل كثير من الجزائريين لماذا لم يقف بوتفليقة وهو يضع الورقة في صندوق
الاقتراع، كما وقف لمصافحة بعض الزائرين الأجانب للجزائر مؤخرا؟
وهو سؤال مشروع دون شك إلا انه يتجاهل حقيقة انه إذا كان بوتفليقة يحترم
صندوق الاقتراع كرمز للإرادة الشعبية لما ترشح أصلا وهو في هذه الحالة، ولما شكا كثيرون،
ومن بينهم بعض أنصاره من الناخبين والمرشحين (لزوم الديكور الديمقراطي)، من عمليات
التزوير الفاضحة التي وصلت حدا غير مسبوق هذه المرة، إذ أعلنت ‘بوادر فوزه الساحق’
رسميا قبل منتصف ليل الجمعة، ناهيك عن نسب المشاركة التي تضاعفت عدة مرات خلال ساعات
قليلة، حتى في المدن والولايات التي أعلنت المقاطعة، وبدت فيها لجان الاقتراع شبه خاوية.
ولعل هذا الاجتراء غير المسبوق على تزييف إرادة الشعب، يبدو مفهوما بالنسبة
للمعطيات الموضوعية في هذه العملية التي لا تستحق وصف ‘الانتخابات’، فالرجل الذي لم
يجد صعوبة في أن يطلب عهدة رابعة، بعد خمسة عشر عاما عجافا سواء على المستوى السياسي
أو الاقتصادي، بفضل ماكينة القمع المدعومة من جنرالات الجيش والمخابرات، لن يهدر طاقته
في أن يتصرف كأي مرشح في أي انتخابات، ناهيك عن أن يقف أمام صندوق الاقتراع، حتى إذا
كان قادرا على الوقوف.
وحسب تقرير التنمية البشرية الذي أصدرته الأمم المتحدة في العام 2004،
فان دراسة علمية وجدت أن طول الحكم الديكتاتوري يخلق حالة يمكن توصيفها حسب مصطلحات
الطب النفسي بـ (collective
submissiveness)
أي الخنوع الجماعي، إلا أن ثورات الربيع العربي أثبتت أن تلك الحالة قد
تكون مقدمة لـ’انفجار كبير’، لا يمكن توقع توقيته أو السيطرة عليه.
وهو ما يعني أن النظام الجزائري ضيع فرصة قد يندم عليها للحفاظ على كيانه
وقدرته على الاستمرار عبر استثمار الانتخابات لتحقيق انتقال سلمي للسلطة إلى أي مرشح
يفوز بثقة الشعب حقا. وأيا كانت الصعاب أو المشاكل التي يمكن أن تنتج عن الاستماع لصوت
الواقع والتاريخ بقبول حتمية التحول الديمقراطي، وهو طريق وعر وليس سهلا، إلا انه يبقى
أفضل ألاف المرات من الاستمرار في احتــــقار الإرادة الشعبية، وخاصة في بلد عرف تاريخه
القريب من الصراعات الأهلية بركانا وليس حماما من الدماء، أودى بمئات الآلاف من القتلى
والجرحى.
لقد ارتكب نظام الحكم في الجزائر وهو رئاسي، أي أن رئيس الجمهورية يمثل
عصب السلطة التنفيــذية فيه، خطأ في حق نفسه قبل شعبه، حيث انه سيجد نفسه شبه عاجز
عن تلبية الوعود الانتخابية البراقة التي قطعها وكلاء بوتفليقة للشعب، فيما سيتصاعد
الصراع على جني الثمار وحصد الصفقات والمشاريع داخل ‘حاشية الرئيس′ التي أهدته الفوز
بالعهدة الرابعة ‘من منازلهم’ أي دون بذل إي جهد يذكر،( بعض الجزائريين يطالب بدخول
بوتفليقة كتاب غينيس باعتباره أول رئيس يفوز بالانتخابات عبر السكايب ومن دون أن يقف
على قدميه).
ومن المؤسف أن بوتفليقة المناضل الثوري القديم الذي كان وزيرا للشباب والرياضة
في الخامسة والعشرين، ووزيرا للخارجية، قبل أن يشارك في الانقلاب على احمد بن بيلا،
يختتم مسيرته السياسية بهذا الانقلاب الجديد على شعبه، وهو الذي تحدث يوما عن ‘أهمية
الانسحاب بشرف’.
أما الذين يتحدثون عن أن الوضع الحالي بكل مساوئه أفضل مما يحدث في بلاد
‘الربيع العربي’، فهم يروجون لباطل يراد به باطل. إذ أن الأحداث الدموية في تلك البلاد
لا تضير التحول الديمقراطي ذاته، لكن من ركبوا عليه وحاولوا استغلاله لتحقيق أجنداتهم
الخاصة.
وإذا كان العالم يشهد حوادث طيران مؤلمة بين حين وأخر، فان هذا لا يغير
من حقيقة أن السفر جوا يبقى الأفضل من حيث معايير الأمن والسلامة.
وبقراءة بسيطة للخارطة السياسية في الجزائر، فان ما حدث لا يمكن إلا أن
يعمل على تأجيج التوتر بين الشارع والنظام، وكذلك بين المكونات الثقافية والعرقية والاجتماعية
والجغرافية للبلاد. وربما ينجح النظام هذه المرة كما نجح من قبل في تأجيل هذا ‘لحظة
الحقيقة’، إلا انه لن يستطيع آن يفعل ذلك للأبد. مع فارق وحيد هو أن تفاقم الاحتقان
يمكن أن يعني فقط تعظيم قدوة الانفجار، لا قدر الله.
وربما يذكر التاريخ أن صورة بوتفليقة كانت لحظة فارقة في اقتراب الجزائر
من ربيعها الغائب.
كاتب مصري
0 التعليقات:
إرسال تعليق