آراء ومواقـف..
هيكل والمذيعة ‘ الملبوسة’ ومحاولة
إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه!
سليـم عـزوز
يستشعر محمد حسنين هيكل مسؤولية خاصة تجاه الانقلاب في مصر، فهو ‘عرابه’
منذ أن كان ‘نطفة أمشاجاً’، تتشكل في رحم الذين يبغونها عوجاً. والذين انقلبوا كانوا
يجتمعون عنده، وهناك تم التعارف، واستدعى هو لهم سيناريو سنة 1954، وهو السيناريو الوحيد
الذي يلم بتفاصيله. وقد قام السيناريو المذكور على قاعدة: بمزيد من الدماء والاعتقالات،
يستتب الأمر. ويصاحب هذا ويسبقه، حملة إبادة إعلامية، تستهدف اغتيال الطرف الآخر معنوياً،
وتشويهه أمام الناس.
حمدي قنديل، المذيع الشاب، الذي كان كله حماس لنظام عبد الناصر، شارك في
هذه ‘المهمة الوطنية الكبرى’، ومن هم أكبر منا سناً، عاصروا كيف كان يستقبل المعذبين
من الإخوان، لمقابلات تلفزيونية، يعلنون فيها خيانتهم للوطن وتفريطهم في جنبه. وهي
التجربة التي تطورت بعد ذلك فيما عُرف ببرنامج ‘ ندوة الرأي’ التي كان يقدمها التلفزيون
المصري، برعاية وزارة الداخلية، في بداية عهد المخلوع.
التجربة الأخيرة، كانت تستهدف تقديم هؤلاء، على أنهم يعتنقون فكراً ضالاً،
وأن دور العلماء في حضرة مقدم البرنامج الراحل حلمي البلك، هو الرد عليهم، وتوضيح الرشد
لهم من الغي. وكان هذا لا يمنع من وجود مونتاج يحذف كلاماً للمتحدث، والتشهير به. وقد
قال أحد رموز هذه المرحلة الشيخ عبد الله السناوي أن كلامه قد حُرف، لكن أحدا من المشاركين
لم يقل أنه تعرض مثلاً لوصلة تعذيب قبل حضوره البرنامج، على العكس مما كان حاصلاً في
عهد عبد الناصر.
يقولون إن من كان يتم تقديمهم تلفزيونياً في عهد عبد الناصر، كانوا يظهرون
وهم في حالة إعياء كامل من التعذيب، الذي كان بادياً على وجوههم، لأن حجم البطش كان
أكبر من أن يتم إخفاؤه من أجل التصوير التلفزيوني .
وفي اللحظة التي تحول فيها برنامج ‘رئيس التحرير’ على التلفزيون المصري
إلى البرنامج الأهم، وانتقل مقدمه حمدي قنديل ليكون رمزاً وطنياً عليه إجماع من كل
القوى الوطنية في مصر، استمعت فيه إلى واقعة برنامج قنديل القديم، وقيل إنه كان يستأسد
على هؤلاء، وهو يحاصرهم بأسئلته، ويحتد عليهم، ويعاملهم معاملة ‘لصوص الملابس المستعملة’،
الأردأ من تلك القادمة من الإمارات مساعدة للشعب المصري في عهد الانقلاب.
كنا في ندوة علاء الأسواني، عندما ذكر صديق يعمل بالتلفزيون المصري ذلك،
ويبدو أن المعلومة وصلته طازجة فأثرت على معنوياته، وأكد الأسواني الأكبر منا سناً
بأن الواقعة صحيحة، وخيم على الجلسة صمت بليغ للحظات، لكن حمدي قنديل اعتذر في وقت
لاحق عن هذا البرنامج، الذي كان يقدمه بحماس شديد للمرحلة الناصرية، فلم يبال بالتنكيل
الذي جرى في السجون لمن كان يحاورهم ويسفههم.
في برنامج قنديل، والبلك، كان الجناة حضوراً على الشاشة، وفي مرحلة الانقلاب،
كما في نهاية عهد مبارك، فان حملة الإبادة الإعلامية، هي جلسات نميمة، عن حكم الإخوان،
وتصرفات الجماعة، وسياستها الفاشلة، وعملها على بيع مصر، وتغيير هويتها. كل هذا يحدث
في غياب الطرف الآخر.. ومع هذا فان كانت فضائيات الثورة المضادة نجحت في التشهير بحكم
الرئيس محمد مرسي، فإنها بدت عاجزة الآن عن الإبقاء على حالة الكراهية للحكم السابق،
وفي الاستمرار في تأييد الانقلاب ورمزه عبد الفتاح السيسي، فكان لا بد من ظهور هيكل
مع ‘الملبوسة’ لميس الحديدي.
الحبة والقبة
في عهد مرسي، كانت فضائيات الثورة المضادة تنفخ في الحبة لتصبح قبة، الآن
نحن أمام قبة يريدونها أن تكون حبة. وفي عهد مرسي كانت إذا لم تسعفهم الوقائع هرولوا
ناحية الفبركة، والآن فان الأزمات أكبر من أن يتم سترها بطرف الثياب!
في عهد مرسي، ظلوا يقرعون طبول الحرب ضد هذا الرئيس الفاشل المسؤول بصفة
شخصية عن انقطاع الكهرباء، وعن شح الوقود، فهو يسمح بتهريب الكهرباء والوقود إلى أهله
وعشيرته في قطاع غزة. وشاهدنا حلقات مطولة في برامج الإفك ‘التوك شو’ تتحدث عن الكهرباء
المهربة، والوقود الذي يصل القطاع عبر الإنفاق وبدا الإخوان عجزة في التعامل مع الإعلام،
ربما استهانوا به، فاتهم أن ‘الزن على الآذان أمر من السحر’. وقدموا تجربة أساءت للإعلامي
الاخواني، على نحو جعل أي إعلامي عابر سبيل، ليس له قدم صدق في مجال الإعلام، الآن
يتعالى عليهم، ويعطيهم دروساً في الإعلام، مع أن لديهم زملاء مهنيين، لم يستعينوا بهم
في زمن مرسي، وظلوا مهمشين في عهده كما كانوا مهمشين في عهد مبارك.. لم يجد عليهم جديد.
المدهش وأنا أقرأ عريضة الاتهام في قضية زميلنا الصحافي السجين إبراهيم
الدراوي، وهو اخواني، أن من بين الاتهامات الموجهة إليه والى الجماعة، أنهم نظموا دورات
تدريبية علي إسقاط الدولة، باستخدام سلاح الإشاعات، والحملات الإعلامية.. فأضحك الاتهام
الثكالى!
الملاحظ هو عدم منطقية الاتهام هنا، لأنه يتحدث عن وقائع سابقة، ومن هنا
فان مراكز التدريب الاخوانية، التي استهدفت إسقاط الدولة، تكون في مواجهة دولة مبارك
ودولة مرسي، وإذا استبعدنا أن يكون الانقلاب يحاسب الإخوان على إسقاط دولة مبارك، لأنه
يعلن انحيازه لثورة يناير التي أسقطته، فلا يكون أمامنا سوى التسليم بأن الهدف من هذه
الدورات التدريبية في مجال الإعلام التي انخرط فيها الإعلاميون الإخوان هو إسقاط دولة
محمد مرسي. وفي مجال الرياضة نحن نشاهد كثيراً هؤلاء اللاعبين الذين يحرزون أهدافاً
في مرماهم، بشكل مباشر أو غير مباشر!
أحلام السيسي
اتسع الرتق على الراتق، فوجدنا مسؤولا يعلن عبر شاشات التلفزيون بأن البلاد
معرضة لمخاطر الإفلاس. وفي برنامج تلفزيوني أعلن مستشار وزير المالية مصباح قطب أنه
يشعر بالعار لأن معدلات النمو كانت في عهد مرسي أعلى مما هي عليه الآن.
ليبدو أن الهدف من الانقلاب على الرئيس المنتخب ليس لأنه فاشل، كما كان
إعلام الثورة المضادة يروج، ولكن لأن هناك من رأى في المنام أنه سيصبح رئيساً لمصر
فأخذ البلد كله رهينة، من أجل تحقيق مناماته، بأن يصبح رئيساً لمصر. ومصر كلها الآن
تدفع ثمن هذه الأحلام. والسيسي في مواجهة الأزمات يقول إنه لا يملك عصا سحرية، ومرسي
أيضاً لم يكن يملك عصا سحرية وان كانت لديه إرادة للنجاح لا يمتلكها السيسي. فقد بدا
عبد الفتاح السيسي منهاراً منذ اللحظة الأولي ليتحدث عن أنه نار وأنه معاناة، ولم يجد
من يرد عليه بالأغنية الشهيرة: ‘إن كنت نار أنا ميه.. إن كنت قسوة أنا حنية’.
وزاد السيسي بأن هناك جيلين سيحرقان ليعيش الجيل الثالث. بعد قرن من الزمان
إن شاء الله، ليكون شهود المرحلة كلها: الضحية والجلاد، قد غادروا فلا يحاسب أحد أحداً.
يكذب من يقول لك إن شعبية السيسي لم تتأثر في أوساط مؤيديه بقرار خوضه
الانتخابات. فقد جعل هذا القرار الناس العادية تتحدث في المواصلات العامة: إذن الموضوع
لم يكن فشل مرسي، ولكن لحاجة في نفس السيسي قضاها.
وفي أجواء الفشل، كان لا بد من أن يظهر هيكل، الكاهن الباحث له عن فرعون،
مع لميس الحديدي ليلبس الباطل ثوب الحق، ويظن انه بصياغات لجمل متناثرة على أفواه الدهماء
يمكن أن يدخل الغش والتدليس على الرأي العام.
في الحلقة السابقة، تحدث هيكل عن السيسي، باعتباره ‘مرشح الضرورة’، وأنه
لا يحتاج لحملة انتخابية أو برنامج انتخابي. ويوم الخميس الماضي ومع ‘الملبوسة’ ذكر
أن السيسي هو رجل المرحلة. ونحن لا نعرف ما هو توصيفه لهذه المرحلة ليكون السيسي رجلها.
وما هي إمكانياته وهو العاجز عن تقديم رأي سياسي، في أي مجال، والمجال الوحيد الذي
أظهر فيه كراماته وهو الحب، لم يذكر سوى عناوين، ولم يتطرق للمتن، ليجيب عن سؤال فلسفي
قديم هو: من السبب في الحب؟ القلب أم العين؟!
كل ما نعرفه أن هيكل في حديثه عن رجل المرحلة، قد جعل من ‘المرحلة’ كلمة
سيئة الصيت شأنها في هذا شأن ‘المثالية’، والتي تذكرنا بحصول الراقصة فيفي عبده على
لقب الأم المثالية. كما تذكرنا بلعبة ‘الكاراتيه’، التي تذكرنا بالعلاقة التي ربطت
مدرب الكاراتيه في مدينة المحلة، بهذا العدد الضخم من بنات وزوجات علية القوم.
ويا عزيزي هيكل لا ترهق نفسك وترهق لميس الحديدي معك.. فلن تستطيع أن تنقذ
الانقلاب من مصيره المحتوم، فهي محاولات من اجل إنقاذ ما لا يمكن إنقاذه. فأزمة مصر
يا أستاذ الآن أن ميتاً أراد أن يرسم مستقبل أحياء.
صحافي من مصر
selimazouz@gmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق