آراء ومواقـف..
أيوب
العياسي يكتب لوقائع بريس عن سيزيف المغربي
أيـوب العياسـي
سيزيف المغربي، ذاك المواطن المقهور الذي كلما حلم بالتغيير إرتطمت صخرة
حلمه بحاجز العراقيل. سيزيف المغربي لا تثقل كاهله الصخرة التي يحمل فقط. ولكن سنوات
الإنتظار و هو يحمل الصخرة في مكانه دون أدنى إحساس بالتقدم تجعله عصبيا مكتئبا...
كل حزب جديد يأتي بتصور جديد و يسعى إلى إستمرارية رجالاته في سراديب الإدارة، و لا
يأبه كثيرا لإستمرارية الدولة! لا لون سياسي جائنا بتسريع لوتيرة العمل و إتقان الأداء.
كل ما يجيئون به هو زيادات و مزايدات. لنضف ساعة إلى الوقت حفاظا على الطاقة. لكن لنضيع
في المقابل كل ساعات الوقت في تماطل الإدارة. سيزيف المغربي أعيته سنوات التأمل و المشي
إلى جنب الحائط، فجرب الصراخ: صرخ إحتجاجا على غلاء الأسعار، صرخ في وجه الفساد، صرخ
مطالبا بالمناصفة و المساواة... لكنهم منحوه فقط الحق في الصراخ و صموا آذانهم و منهم
من إستغل شعاراته ليجلس بها على كرسي الحكومة و تركه لوقفاته المتتالية بلا جدوى. كثيرا
ما تراود سيزيف المغربي الرغبة في الهجرة علنا. لكن تلازمه حرقة السؤال: لمن سنترك
هذا الوطن؟ فسيزيف المغربي يعلم أن الوطن وطنه يسكنه في كل أرض و كل غربة... السؤال
الذي يلازم سيزيف المغربي لا يعني شيئا لسياسيينا و مسؤولينا. يبتدعون أحاديثا
" عميقة" عن التنمية و الحكامة و لا يفكرون في استدامة الإستراتيجيات. سيزيف
المغربي لم يعد بإمكانه منح ثقته لأي منهم... كلما دخل لإحدى الإدارات فهم أن الساعة
واقفة لا تدور. كلما فتح جريدة قرأ مئات السطور من الصراخ و الإستنكار. الكل يعلم الإختلالات...
و ليس من الخبر الجديد أنها كثيرة في وطني.. لكن لا أحد يملك عصا سحرية! و إن كان ليس
من السحر أن يخلص الناس في عملهم. في الخمس عشرة سنة الأخيرة خطى المغرب خطوات هامة
في مواجهة تحديات الألفية الثالثة و وضع لذلك برامج و تصورات. لكن العقليات لازالت
يسكنها الجمود و تعيق تطبيق التصورات المبدعة الخلاقة. سيزيف المغربي أصبح يخاف أن
يبدع شيئا جديدا أو أن تخطر على باله فكرة مستنيرة، فلقد غدا متأكدا أن المجتمع يخاف
الإبداع و يحاربه. و كيف للعقليات أن تتطور و للمجتمع أن يتقدم دون إبداع؟ سيزيف المغربي
فهم أن العقليات المتحجرة لا تحب التميز و تحاربه لأنها تخشى التغيير. تكره النجاح،
و كأنها لاتتخيل وجودها خارج دائرة الفشل الذي غدا ماركة مسجلة و علامة على أمة بكاملها
أثقلت كاهلها الصخور. صخور البطالة و الفقر و الهشاشة... سيزيف المغربي ضيع الوقت الكثير
في الدراسة و ضبط المفاهيم و النظريات. و فهم بعد فوات الأوان أن لا مجال للإستحقاق
أمامه و أن كلما يواجهه حيف و إقصاء، فرمى شهاداته التي لم تتمكن من أن تقيه من برد
الأزقة التي تتقاذفه بينها و جلس أمام التلفاز عله يحمل له خبر جديدا عن ربيع سعيد
و زهر جديد، فوجد أمامه نفس الوجوه المنهكة بالكذب المنمق و الخطابات الخارجة لتوها
من ورشات النجارة، لكثرة ما تحمله من خشب. وقفت هذه الوجوه أمام الكاميرا تكرر الإبتسامات
موزعة تصريحاتها عبر ميكروفونات مبحوحة. جرب سيزيف المغربي تغيير محطات التلفزيون بحثا
عن إستفادة أو تسلية، فلم يجد سوى برامجا متقادمة و دبلجات و إعادات و تكرارا لنفس
الوجوه و التصريحات و الإبتسامات... فقد سيزيف المغربي صوابه وهو يتابع المشهد، فرمى
التلفزة بصخرته الكبيرة التي أعيته لسنين و جلس إلى الصمت يجتر خيباته، ثم رفع كفيه
إلى السماء و طلب من الله أن يمنح هذا الوطن ما يستحقه من تقدم و تنمية. و يبعد عنه
الفاسدين و غير الأكفاء، فهم يجرونه إلى الفشل على حد سواء.
0 التعليقات:
إرسال تعليق