وجهات نظر..
أي إستراتيجية
للتراث اللامادي في ظل تهافت المتطفلين على توثيقه؟
رضوان الطاهري:
باحث جامعي
للتراث اللامادي حرمة توازي حرمة الدفاع عن
الثوابت الوطنية، فهو تعبير عن الهوية المغربية متعددة الروافد، والارتكاز عليه
ضرورة لا مندوحة عنها لفهم تاريخ المغرب من خلال توثيق الذاكرة التي تساهم في
إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة، حيث تعزيز الهوية الوطنية الموحدة وصيانة
تلاحم وتنوع مكوناتها.
إن حملة مسعورة يقودها متطفلون لتوثيق التراث
اللامادي طفت على السطح في الآونة الأخيرة بمختلف جهات المغرب، إذ باتت تؤرق أهل
الاختصاص والغيورين على الذاكرة المغربية، لما لها من آثار سلبية في الإساءة للهوية
وتشويه للذاكرة المغربية، والمساس بجوهر وآليات الاشتغال العلمية المفروض توافرها
في موثق هذا التراث.
يمتلك المغرب تراثا لاماديا شديد الثراء والتنوع،
غير أن هذا التراث يعيش اليوم على صفيح ساخن، حيث قفز على توثيقه أشخاص لا تربطهم
أي علاقة بعلم التوثيق والأرشفة، ومجردين من سلاح العلم والمعرفة والمهارات
المرتبطة بهذا العلم.
الذاكرة والهوية المغربية حصن حصين وخط أحمر،
يستحيل الاستخفاف والعبث بها أو التعامل معها بمنطق المتاجرة والتسليع والربح
السريع، لذلك أصبح يطرح سؤال عريض وطويل مفاده: أي إستراتيجية لحماية تراثنا
اللامادي في ظل تهافت المتاجرين والمتطفلين على توثيقه؟.
إذا كان هذا الموروث الثقافي يعبر عن ذاكرة
المغاربة، فإن له أهله من الخبراء والباحثين الجامعيين والأكاديميين والأخصائيين
المتمرسين المتشبعين بمزيج من العلوم كالسوسيولوجيا، والأنثروبولوجيا،
والإثنولوجيا، والتاريخ، واللسانيات، وعلم التوثيق والأرشفة، ومتمكنون من آليات
التوثيق التي تقتضي الجرد، والمسح الميداني، والتوثيق الإلكتروني...وكلها معارف
ومهارات علمية متعارف عليها عالميا، لا بد من توافرها من أجل القدرة على قراءة
واقع التراث اللامادي وتوثيقه وتثمينه.
في الدول المتقدمة كاليابان وكندا وفرنسا...يستحيل
التطاول أو المساس بتراثهم اللامادي الذي يعبر عن هوية وذاكرة بلدانهم، فحكوماتهم
تضع إجراءات قانونية وعلمية وتقنية وإدارية ومالية محكمة لتوثيق هذا التراث
والحفاظ عليه وتنميته وتنشيطه، في المقابل نجد المغرب فتح الباب على مصراعيه أمام
المتاجرين والمتطفلين الذين يتهافتون على مشروع التوثيق بمختلف جهات البلاد، بعدما
استنفذوا كل منابع التمويل التي تدخل في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
إذ لم يبق أمامهم سوى المتاجرة في التراث اللامادي وتشويهه، وبذلك سيفوتون فرصة
التوثيق على أصحاب الإختصاص.
إن الذاكرة المغربية هم وحق مشترك، هم لأهل
الإختصاص، وحق لكل المغاربة لتحصين وصيانة ذاكرتهم من التشويه والعبث، ولعل
المفارقة الغريبة في الأمر أن الجهات المعنية وفي مقدمتها وزارة الثقافة، التي
تتبنى في سعيها الدفع بعجلة التنمية الثقافية إلى مدى بعيد بوضع أسس متجددة لتدبير
الشأن الثقافي في المغرب وتثمين الهوية المغربية، تلتزم الصمت المطبق، عن وعي أو
غير وعي، حيال هذا التهافت غير المرغوب فيه.
لقد دقت ساعة الحقيقة لرد الاعتبار لتراثنا
اللامادي وإيجاد مؤسسات، تضم أكاديميين باحثين وخبراء، يكفل لها دستوريا حق
التوثيق بإجراء جرد عام وتدوين وتسجيل موضوعاتي لأشكال التعبير الثقافي، وسن سياسة
ثقافية لها القدرة على حماية التراث اللامادي وتعزيزه وتثمينه وجعله مصدرا لتحسين
مؤشرات الاقتصاد الوطني، واتخاذ حكامة جيدة، وإجراءات وضوابط ومساطر قانونية
وتفعيلها، باعتماد إطار تشريعي يحمي المغاربة حقهم في التراث اللامادي من كل أشكال
المتاجرة، وسد الباب أمام كل من سولت له نفسه التطفل حتى لا يصبح توثيق الذاكرة مهنة من لا
مهنة له.
0 التعليقات:
إرسال تعليق