إبداعـات أدبيـة..
"دقي يا مزيكا".. من التراث الدمياطي
بقلـم:أحـلام شحاتـه
عندا يدق الفرح باب البيت
نعلن عن هذا الفرح ( بالزغاريد و الطبل و الزمر) ونعلّق الكهارب والمناديل الملونة
ويدور المنادي في أنحاء البلدة بالميكروفون ليعلم الجميع بزواج العريس من العروس يفتح باب البيت لاستقبال المهنئين من كل حدب
وصوب وخاصة في المساء وذلك قبل الفرح بأيام فد تطول وقد تقصر - حسب الظروف- وتتجمّع الفتيات والنساء ليرقصن
للعروس وترقص هي أيضا معهن وذلك تعبيرا عن مدى فرحتهن بذلك البيت الجديد الذيسوف
يبنى على المحبة والإخلاص مع دعوات الجميع بالسعادة والهناء ومن أهم مظاهر الفرحة
والسعادة (زفة الشوار) والتي تدق مهعا القلوب إذا عزفت وتتراقص على أنغامها وتصفق
لها الأيادي وتنطلق الزغاريد في السماء وهذه الفرقة التي تعزف أنغامها على الآلات
المشهورة جدا (آلات نحاسية مثل الكلارينيت، والترومبيت، والساكس، والكورنيت، والمامبردو،
والباص صدر، والترومبول .. إلخ...) ويعزف عليها الرجال ورئيس الفرقة أو صاحب
الفرقة يتميز بصوت جهوري ووجه وسيم بشوش علاقته بالناس طيبة جدا و يعرفهم بالإسم و
يتسم بالحضور وخفة الدم و بالمظهر الحسن لأنه نجم الحفلة فكل الأنظار متجهة نحوه و
الآذان مصغية له ولما يقول و كل الموجودين يهمهم سماع إسمهم وسط هذا الجمع الغفير
لتصل للعروسين رسالة التهنئة عن طريقه فهو يعرف مهمته الأساسية في هذا الموقف وهو
إسعاد الجماهير وإدخال السرور إلى قلوبهم مهما كانت عنده من مشاكل خاصة به أو
أشياء تؤلمه سواء جسمانية أو نفسية فالعمل الذي يتكسب منه يفرض عليه الإخلاص له والتفاني
فيه ليصل إلى قمة النجاح وهو الذي تتم معه الإتفاقات و تحديد المولعيد و الأماكن
التي سيقام فيها الحفل و هو الذي يحتفظ بالآلات في بيته أو مخزنه و يعمل لها الصيانة
الخاصة بها و يحافظ عليها وهو المسئول عنها مسئولية كاملة وفي بيته تقام البروفات
والتدريبات ووقت العرض ( الشو) تعزف الآلات أنغاما مفرحة مشهورة ومعروفة للجميع أو
لمعظم الناس خاصة أنها أغاني تقليدية إعتادت عليها الآذان وحفظتها الألسنة وينبغي
على العازفين أن يتأقلموا على العزف منذ الصغر كما أنهم يتعودون على إحترام
المواعيد والصدق في الوعود وأن يلتزموا بالسلم الموسيقي فالموسيقى لغة الشعوب والسلام
الوطني العالمي يعزف من النوتة ويعزف في أي مكان بسهولة جدا وهناك من يعزف (سماعي)
وهو المحترف ويسمى (موسيقي الشارع) وهو يدخل للأغنية من أكثر من مقام وأكثر من
(سكة) أما العازف بالنوتة وفقط فلا يعرف سوى طريق واحد للأغنية ويعزفها مثل
الطابعة (طبق الأصل) ولا يلون فيها . والفرقة الموسيقية أو المزيكا تسمى في
الأرياف ( الطبل) وفي المدينة تسمى ( المزيكا) أو الفرقة، ورغم مرور سنوات على هذه
الفرقة إلاّ أن بعض الناس ما زالت تنظر لهذه المهنة نظرة دونية و ذلك يرجع إلى
الأفلام العربية التي شوهت صورتها خاصة في فيلم ( شارع الحب) أولا: حين أسموها
فرقة حسب الله ، و ثانيا : حين سكبت الفنانة (زينات صدقي) الملوخية على رأس العازف
( عبد السلام النابلسي). وثالثا: عندما أظهروا الفرقة بحالة من الفقر المدقع
والجوع الشديد وأخذ الناس فكرة خاطئة عن المزيكا و تعتبر هذه الأشياء إهانة
توارثتها الأجيال أما في الخارج مثل (فرنسا، وآثينا ومالطا وسويسرا وأسبانيا
والمغرب وهكذا) فالموسيقى هناك له إحترامه مثل العسكري تماما وكأنه رئيس وزاراء له
هيبة ووقار والعازفون يشترون ملابس عسكرية - قديما- من وكالة البلح وهي عبارة عن بذلة
سوداء بصفين زرائر وخطين لونهم أحمر - في الشتاء- أما في الصيف فيرتدون بدلة بيضاء
و طربوشا أحمر بزرّ أسود ثم تطور الأمر ولبسوا البيريه الأحمر وعليه نسر أما
العازفون الأهالي ممنوع عليهم لبس النسر على البيريه وإختص به العازفون للشرطة
والمحافظة ومع الأيام لبست الفرقة زيّا موحدا يتكون من قميص أحمر أو جاكيت أحمر و
بنطلون أسود أو أبيض وبدون غطاء للرأس أي أن العازف يقتدي في ملبسه بملبس رئيس
الجمهورية بداية من ( الملك فاروق) و حتى الرئيس الحالي حتى تحررت الفرقة من البذلة
وصارت تلبس الملابس التي يرتديها الشعب والعازف يعزف بأعصابه وبمنتهى الحساسية حتى
يصل إلى قلوب الناس و آذانهم و ينظر لوجوههم و هو يعزف ليقرأ الإنطباع ويعرف مدى
تأثيره فيهم فهو ذكي جدا ولماح وأكثر ما يزعج الموسيقيون أنه لا يوجد تأمين على
معظمهم - رغم وجود نقابة لهم في المنصورة) كما يزعجهم تطويس الآلات النحاسية
ويتكلف تنظيفها الكثير من المال والجهد لأن النحاس يصدأ بسرعة ويحتاج لتنظيف مستمر
وتكلفته باهظة
والنيكل أقل ضررا على الفم و
الأسنان لأن العزف لابد أن يطبّع الشفة و ذلك يصيبهم بأمراض في الفم و اللثة من
إحتكاك الآلات بالأسنانجعلهم يتمنون لو أن النقابة تدعمهم و تقيم لهم مشاريعا أو
تمنحهم قروضا لأنهم يحبون هذه المهنة- رغم متاعبها و صعابها- لأن الذي يحب مهنته
يتفانى فيها و يدخل في أغوارها ليتعرف على أسرارها حتى يصل إلى القمة و النجاح . و
الناس يستدعون الفرقة أو المزيكا لتزف الشوار أو الغفش وهو أثاث البيت الجديد
للعروسين و ذلك برص هذا المتاع أو الشوار على سيارات نصف نقل أو ربع نقل يخرج من
منزل العروس إلى منزل العروسين أي عش الزوجية السعيد وتعزف المزيكا منذ البداية وحتى
وصوله إلى البيت الجديد مصحوبا عزفها بالتصفيق و الزغاريد، ولو كان المنزل بعيدا
فيركب المعازيم سيارات ميكروباص أو ملاكي -حسب عددهم وإمكانيات العريس- فهو الذي
يتكلف هذه المصروفات و يتكفل بنقل العفش و المعازيم إلى بيته الجديد ثم يقوم أهل
العروس برص العفش داخل الشقة ورص الصيني وباقي المتاع و بعد أن ينتهي أهل العروس
من فرش الشقة وترتيبها يقوم أهل العريس بإطعامهم طعاما فاخرا تحية لهم و يسقونهم
المشروبات المثلجة في الصيف والشاي في الشتاء ويتبادلون التهاني وعبارات الفرح والعداء
للعروسين بالسعادة وهدوء السر والذرية الصالحة وبمجرد وصول العفش لداخل شقة
العروسين الجديدة تبدأ الفرقة في إنهاء مهمتها التي بدأت وقد تعزف بعض الوقت وقد
يستكمل أهل العريس الفرحة بتشغيل الدي جي أو إحضار الضمة بعد انصراف
المزيكا والضمة هي فرقة قليل عدد عازفيها، وبعد ذلك ينصرف الجميع إنتظارا ليوم
الزفاف.
0 التعليقات:
إرسال تعليق