ثقافـة وفنـون..
ابن بطوطة ... من
زماننا
الوقائـع بريـس/ الـدار البيضـآاء: علـي
مسعـاد
علاقتي بالكتاب الأدبي، علاقة تمتد إلى سنوات بعيدة ومازالت
إلى اليوم، بحيث لا يمكن أن يمر أسبوع، دون أن أقتني كتابا أو كتابين، خاصة في صنف
الرواية وأدب الرحلات، ناهيك عن المسرح والفكر والفلسفة والسينما، بحيث كان سندي
في هذه العلاقة، القصاصات الخبرية بالجرائد و المجلات، التي تعلن عن آخر الإصدارات
الأدبية والفكرية، فضلا عن جولاتي الأسبوعية، بين الأكشاك والمكتبات الخاصة، وإن
على قلتها، في مدينة عملاقة كالدار البيضاء الكبرى، لأن معظمها، إن لم نقل جلها،
تحولت بقدرة قادر، للأسف، في أمة " إقرأ "، إلى محلات لبيع المشروبات والأكل
وألعاب الترفيه للصغار، وبعد ذلك، أصبحت أستعين، في أحايين عديدة بالبرنامج
الثقافي "مشارف " لمعده عدنان ياسين، نقطة الضوء الوحيدة ، في هذه
التخمة البرامجية، من برامج الترفيه والغناء والرقص، التي سحبت البساط من البرامج
الثقافية والحوارية الجادة، على حساب برامج تلفزيون الواقع و لولا الشبكات الاجتماعية كـ"الفايسبوك" مثلا، الذي أصبح
النافذة المثلى، للاطلاع على آخر الإصدارات، عن طريق أصحابها أنفسهم ، لتعذر علينا
معرفة، كل ما يصدر و في شتى المجالات المعرفية والفكرية والسياسية ...إلخ. في
حينها ، لدرجة أنه أصبح بالإمكان الحوار المباشر مع الكتاب والمؤلفين حيثما
وجدوا ووقت ما شئت .
وهو أمر لن يزيد أمثالي إلا عشقا متجددا للكتاب بكل
أصنافه، الكتاب الذي تشبه علاقتنا به، علاقتنا مع بعضنا البعض، بحيث يمكنني القول
من خلال هذه التجربة، أن هناك من تحس برفقته، للوهلة الأولى، بالملل يتسلل إلى
روحك، ومهما حاولت جاهدا، مراوغة ذات نفسك ، لن تجد غير تركه جنبا، غير آسف أو آبه
به، حلا وهناك من يشدك إليه، بكل روحك و قلبك و لن تحس إلا وقد انتهت منه و التهمت
كل سطوره والمتعة ملء ذاتك، نشوة روحية داخلية لن يحسها، إلا من ابتلي بقراءة
الكتب والمؤلفات التي لا تموت، بموت أصحابها.
ولأنني من المهتمين بأدب الرحلات واليوميات لمغاربة
العالم بالتحديد، فقد وجدت أن المؤلفات التي صدرت في هذا الشأن ك" يوميات مهاجر
سري "لرشيد نيني"، زمن الحب و الموت " يوميات مغربي في كلومبيا،
لعزيز الساطوري، " أزهار الدفلى، أمريكا أو الوجه الآخر " لليلى أبو زيد"،
يوميات سندباد الصحراء " مشاهدات من جنيف، باريس، عمان، القاهرة، بيروت ،
مراكش و مدن مغربية أخرى ،لعبد العزيز الراشدي ، "42 يوما في بلاد العم سام
" لعبد الرحمان بوخفة"، أولاد فرنسا " تمثلات الهجرة في وعي مغربي
لأحمد بومقاصر"، من القلعة إلى جنوة " لشكيب عبد الحميد"، من وحي
الصقيع الكندي "يوميات مهاجر شرعي" لمحمد كرم الدكالي، "عبرات و
عبر" كتاب يحكي عن تجربة معاشة في
دولة ماليزيا لإبراهيم أوكاسي ،" أمواج الروح سيرة مهاجر غير شرعي في باريس
" لمصطفى شعبان"، لست جاسوسا " شهادة مغربي عايش أحداث 11
شتنبر 2001 بأمريكا، لعبد الكريم القمش، "كيف تصبح فرنسيا
في خمسة أيام ومن دون معلم" لجمال بودومة وغيرها من الرحلات واليوميات التي
قام بتأليفها مغاربة العالم و- إن اختلفت مستوياتها الفنية وتباينت قيمتها الفكرية
- تجري في دمائهم، بالتأكيد، روح "الرحالة المغربي " إبن بطوطة "
الذي قضى 28 سنه في السفر و الرحلات، والذي نال شهرة واسعة من خلاله كتابه "
تحفة النظار و غرائب الأمصار "الذي يؤرخ لرحلاته إلى إفريقيا، بلاد فارس،
آسيا الصغرى، شرق إفريقيا و بلاد العرب، والذي نحتاج إلى أمثاله، هذه الأيام ،
أكثر من أي وقت مضى، للخروج من عنق الزجاجة
ومن مظاهر التخلف و الرجعية والظلامية، التي تسربت إلينا في غفلة من الزمن، والتي
لن يتأت لنا محاربتها، إلا بعادة "القراءة" التي هاجرناها، لأسباب يطول
شرحها، والتي لعمري هي مفتاح مظاهر التخلف التي أصبحت تعج بها، فضاءاتنا المفتوحة
والمغلقة، من أزبال، فوضى، رشوة، غش، ضوضاء،
تلوث فكري وبصري و للحد من كل السلوكات الهجينة، التي تكشف عن الوجه الآخر
الخفي للشخصية المغربية، التي تحتاج اليوم
أكثر من أي وقت مضى ، لمن ينقل لها تجارب الآخرين من أسلوب حياتهم و طريقة تفكيرهم
و رؤيتهم للعالم و الحياة و لطرق تدريسهم و لكل مظاهر الحياة العلمية و العملية .
فالدور و الأهمية التي تكتسيها هذه الرحلات و المؤلفات
التي تهتم بحياة الآخرين ، الذين سبقونا بسنوات ضوئية في شتى المجالات و المعارف و
المدارك الحياتية ك" المعمار ، التعليم ، السياسة ، الأدب و الفن و الرياضة ،
الاقتصاد ، الإعلام ، تكنولوجيا الإعلام و البحث العلمي ، لا يختلف حولها إثنان،
فهل يبعث بيننا "إبن بطوطة" من جديد، إلى جانب هؤلاء الذين تم ذكرهم أو
الدين لم أستحضر أسمائهم، ليدلي بدلوه و يقول كلمته حيث هو ، حتى نرتقي و نواكب
أمواج التقدم والتحضر بدلا من هذا التخلف الذي امتد بجذوره في شتى مظاهر الحياة في
مجتمعنا .
فنحن بحاجة ماسة، إلى مزيد من هذه الرحلات و اليوميات،
لأنها، بالنسبة إلينا، فهي أشبه بخارطة الطريق، لبداية مشوار من ألف ميل و الذي لا
يحتاج منا اليوم، بالتأكيد، إلا خطوة واحدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق