آراء ومواقـف..
مصر: هل "يأتي
الدور" على السلفيين؟
خالـد الشامـي
قالت وزارة الأوقاف المصرية إنها لن
تقوم بمنح أي تصريح للخطابة بالمساجد لياسر برهامي،’نائب رئيس الدعوة السلفية
لكونه غير أزهري، ولا تنطبق عليه’ شروط إعطاء تصريح العمل بالدعوة.
ولمن لا يعرفون برهامي فهو إلى جانب
منصبه في الدعوة السلفية يعتبر ‘الأب الروحي’ لأحد الأحزاب ‘السياسية السلفية’ في
مصر، وكان شارك في لجنة إعداد الدستور في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، إلا انه
قبل ذلك كله، طبيب مازال يعالج الناس في عيادته الخاصة بمدينة الإسكندرية، التي
يعتبر احد أهم الرموز السلفية فيها. لكنه مع ذلك كله يؤم الصلاة في زاوية صغيرة
قريبة من بيته، بل لا يمكن أن تقام الصلاة إلا بعد أن يحضر، حيث اعتاد أن يلقي
خطبا ودروسا دينية على أتباعه الشغوفين بها، إلا أن هذا لم يمنع وقوع حوادث
استثنائية، بينها ما صوره فيديو انتشر على اليوتيوب مؤخرا يصور حضور احد أنصار الإخوان
إلى تلك الزاوية وانتقاده الشيخ برهامي بطريقة قاسية بسبب تأييده لعزل الدكتور
مرسي، وهو موقف تعتبره جماعة ‘الإخوان’ خيانة عظمى من قيادة الدعوة السلفية، التي
لا تعبر سياساتها بالضرورة عن اغلب قواعدها التي كان الكثير منها حاضرا في اعتصام
رابعة.
والسؤال الذي يطرحه منع برهامي من
الخطابة، هو أن كان ذلك سينطبق على عدد كبــــير من دعاة السلفيين غير الأزهريين أيضا؟
ما قد يمثل تحولا نوعيا في التاريخ المعقد للدعوة السلفية، سواء من جهة علاقتها مع
النظام أو باقي الحركات الإسلامية، أو المجتمع.
وعلى عكس الكيانات الإسلامية
التقليدية، فان ‘السلفية’ دعوة، وليس حـــركة أو تنظيما، ويمثل الشيخ فيه مصدر السلطة
المباشرة على أتباعه، وذلك من خلال المساجد والزوايا الصغيرة، ومن هنا يمكن فهم
خطورة قرار وزارة الأوقاف بحرمانهم من وسيلتهم الأساسية لتجنيد أتباعهم وترويج
مواقفهم.
ولقد أوضح الاستفتاء على تعديل
الدستور في مصر مؤخرا، اتساع الفجوة بين من يزعمون لأنفسهم قيادة الدعوة السلفية
بشكل عام، والقواعد السلفية، والدليل على ذلك الضعف في المشاركة (تصويتا وتأييدا)
في بعض المحافظات، حيث يتمتع السلفيون بحضور كبير، ومنها مرسى مطروح، رغم أن
برهامي وغيره شاركوا في حشد الناس لتأييد الدستور.
أما على المستوى السياسي، فان النظام
الحالي حريص على المشاركة الكاملة للسلفيين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، بل إننا
بدأنا نسمع أرقاما بالفعل عن النسبة التي سيفوزون بها وهي قريبة من النسبة التي
حققوها في انتخابات عام 2011، أي نحو خمس المقاعد، ليس فقط ‘امتنانا’ لموقفهم في
الثالث من يوليو ، ولكن لأهمية وجود تمثيل لـ’الإسلام السياسي’ تنفي أو تعوض غياب الإخوان
(رغم أن أحزابا مشاركة في ما يعرف بـ’تحالف دعم الشرعية’ تتجه للمشاركة في
الانتخابات) خاصة أمام العالم الذي سيراقب كل صغيرة وكبيرة باهتمام شديد في هذه
العملية السياسية.
ويثير هذا الموقف من النظام أسئلة
مشروعة، بينها، كيف يسمح للأحزاب السلفية أن تشارك في الحياة السياسية، بينما يمنع
الدستور المعدل وجود أي أحزاب على أساس ديني أصلا؟ خاصة أن تلك الأحزاب لا تفوت
فرصة للتأكيد على طبيعتها الطائفية، ومنها تصريحات لبرهامي نفسه مؤخرا أكد فيها
انه لا يمكن لمواطن مصري مسيحي أن يتولى رئاسة الجمهورية، لان مصر ‘دولة إسلامية’،
ناهيك عن مواقفهم من قضايا المرأة والعلم الوطني وحتى العلاقة الاجتماعية من
المواطنين من غير المسلمين. وهي مواقف لا يمكن إلا أن تستدعي مقارنة مع التيار
الوسطي الذي تزعمته جماعة الإخوان، وحازت من خلاله تأييدا شعبيا واسعا قبل
‘الزلزال’ الذي ضرب الحياة السياسية في الصيف الماضي. وبينما يبقى حزبهم (الحرية
والعدالة) شرعيا وقادرا على المشاركة السياسية نظريا حتى اليوم، إلا انه في الواقع
تعرض لتدمير سياسي ومادي شامل جعل وجوده معدوما من الناحية العملية.
يرى البعض أن النظام ربما يتعامل مع
السلفيين بنفس منطقهم ‘البراغماتي’ الذي كان سمح لهم بالتوصل إلى ‘تفاهمات’ مع
نظام مبارك حتى اللحظة الأخيرة من عهده، لينقلبوا عليه ويتحول بعضهم إلى ‘ثوار أحرار’
بمجرد سقوطه، وهم الذين كانوا حتى وقت قريب يرفضون الانتخابات والخروج على الحاكم،
باعتبارهما ‘كفرا’، وينسقون مع أمن الدولة قبل استضافة أي شخص في برامجهم، إلى أخره،
وهو المنطق نفسه الذي اتبعوه وربما ‘احترفوه’ بعد ذلك في التعامل مع حكم المجلس
العسكري ثم الإخوان، إذا أيدوهما حتى لحظة الرحيل.
وبكلمات أخرى، فان ‘الدولة المدنية’
المنشودة التي يتحدث عنها اغلب الأحزاب والمرشحان الرئاسيان، وهي تحترم القيم
الدينية بالضرورة كمكون أساسي للثقافة والمجتمع في مصر، لا يمكن إلا أن تتناقض مع
وجود هكذا أحزاب طائفية، يتعارض خطاب بعضها مع الدين نفسه. وهو ما قد يدفع كثيرين
في البرلمان المقبل لسن وتفعيل كافة القوانين الكفيلة بوقف المتاجرة السياسية وغير
السياسية بالدين. أما إذا استعاد النظام ‘النزعة الشمولية الموروثة’ من عهد مبارك،
فان السلفيين سيمثلون حليفه الرئيسي الذي سيقدمه للغرب كواجهة للإسلام السياسي
‘بديلا عن الإخوان’.
وسيكون هذا محور الصراع الحقيقي خلال
المرحلة المقبلة، الا ان الزمن في مصر، مهما قال من لا يعرفونها، لا يمكن ان يعود
للوراء.
كاتب مصري
0 التعليقات:
إرسال تعليق