آراء ومواقـف..
واسينـي الأعـرج
عقلية الحاكم العربي ومنطقه
واسينـي الأعـرج
سؤال يشغلنا جميعا
لماذا هذا التخلف المدقع في الوطن العربي، هل مرجع ذلك سبب تقني وسوء تسير يمكن تصليحه
بالكفاءات التي لا يشكو منها الوطن العربي أم أن الأمر أكثر تعقيدا ويضرب عميقا في
عقلية الحاكم العــربي؟ أعتقد أن الأمر الثاني أقرب كثيرا إلى الصواب.
كل الحكومات التكنوقراطية
والمليئة بالكفاءات الوطنية الفاعلة، لم تعط الشيء الكثير لإخراج المجتمع من أزماته
الكبيرة. أكثر من ذلك كله، فالوزير التكنوراطي الذي يدخل محملا بشهاداته وجهوده وأحيانا
بتجاربه الفذة خارج وطنه. إما أن يتواطأ، فيصبح جزءا من النظام العام يعيد تركيب الخطاب
المتسيد وتمريره للجمهور، أي يتحول إلى وسيط بين النظام وبقية المجتمع، أو بكل بساطة
يستقيل من النظام، تاركا وراءه المؤسسة أو نادما على انخراطه فيها إذا وجد الشجاعة
الكافية لفعل ذلك، أو يهمش ويبقى مكبلا داخل المؤسسة أو يدفع ببساطة نحو الانتحار.
إن عقلية الحاكم
العربي ارتبطت بشيء غريب يحتاح حقيقة إلى بحث أنثربولوجي حقيقي وهي اعتبار الحكم امتدادا
لتسيير البيت الخاص والمزرعة أو الحظيرة ويتحول المواطن، وفق هذا المنطق، إلى مجرد
رعية تابعة له. وقد يكونون أبقارا وأغناما وغزلانا وحتى خنازير في مزرعته، قيمة الفرد
منهم تتحدد بمدى قربه أو بعده عن الحاكم. القريب من المؤسسة، من منطق المزرعة، سيكون
غزالا، وغير المعني بما يدور من حوله خروفا، والرافض للنظام أو المنتفض ضده ليس أكثر
من خنزير تجب إبادته أو نفيه.
لم يبلور الحاكم
العربي أي مفهوم للدكتاتور حتى بمنطق الدكتاتور العالمي إلا داخل فعل التخلف والرعوية
المضادة ليس فقط لأي تطور ولكن لأي تنور على عكس الدكتاتور في أمريكا اللاتينية الذي
تحول بفعل التكرار والزمن إلى رديف للأب، في منطقه العميق، الأب بالمعنى الأوسع الذي
يحق له العقاب والتعزير لأبنائه.
ولا حتى الدكتاتور
الأوروبي مثل هتلر الذي كان رساما ومحبا للموسيقى الكلاسيكية. صحيح يشترك معهم في الدم
وتدمير النفوس ولكن الدكتاتور العربي ينشئ حوله عالما من اليقين تصبح فيه العائلة بالمعنى
الضيق والعشيرة والقبيلة هي الحاسم في العلاقة مع المجتمع. هذا كله يعني ببساطة أن
فكرة المواطنة غير واردة في وعي الحاكم العربي ولا وعيه. اشعر أحيانا بأن الحاكم يكاد
يكون رديفا لرئيس القبيلة سوى أن في القبيلة سلسلة من القيم والنظم فرضها التاريخ وألغاها
الحاكم العربي لأنها تحد من يده الطولى وعوضها بنظام هو شتات غربي كالديمقراطية وحقوق
الإنسان والنظام الجمهوري الذي ليس في النهاية إلا تجييرا لقيم لا تستقيم مع عقل افترض
مند البداية أن الأرض والرعايا وجدت لخدمته ولا وجود لها إلا به وله ومن أجله.
هو السيد على
كل شيء. طبيعي شخص بني بهذه الطريقة لا يمكنه أن يترك الحكم أو حتى التفكير في ذلك.
لا يوجد في الوطن العربي نموذج واحد يستحق أن نفرده عن غيره إلا فيما ندر. لهذا يموت
على الكرسي وهو لا يفكر في خليفته حتى اللحظة اليتيمة من الحياة. ولا يريد أن يترك
أية مساحة خارج سيطرته، ولو دفع به ذلك إلى تغيير الدستور الذي ليس شيئا في النهاية
بالنسبة له ولحاشيته الصانعة له سوى وثيقة تبرير أمام الرأي العام الوطني والدولي.
لايضيره أن يغير في السن أو في المدة مستندا على الاستشارة الشعبية؟ أو الموافقة البرلمانية
في ظل غياب الشعب بمعنى المواطنة.
فالبلاد ومن وما
عليها ملك لرجل واحد ولعائلة في أحسن الأحوال. لا يعقل أن تكون الأنظمة الجمهورية العربية
كلها متشابهة إلى هذا الحد من التماهي حتى لتكاد تكون شيئا واحدا حتى تلك التي مرت
عبر آلام وانكسارات وأفراح حركات التحرر الوطني التي كان يفترض أن تؤسس لنموذج علاقة
جديدة أخرى شبيهة بما حدث في إفريقيا الجنوبية على يد نيلسون منديلا الذي وضع بلاده
في المسارات الصحيحة وخارج الحرب الأهلية ثم انسحب بعد سنة. ولهذا كله كانت نهايات
هذه الأنظمة متشابهة أيضا لأنه حتى في سقوط نظام عربي ما، ولأي سبب من الأسباب، بقية
الأنظمة المعنية بالوضع نفسه لا تستفيد مما حدث.
في رأيها مقولة:
هذا لا يحدث إلا للآخرين. سقط صدام حسين مثلا وكأن الأمر لم يكن يهم إلا العراق وصدام
فقط بغض النظر عن رأينا في الشخص وطغيانه ضد شعبه لدرجة أنه خلق بنية خوف مدمرة وصورة
شعب يبدو في الظاهر على الأقل طيعا وخائفا صنع على شاكلة النظام. فعندما يسقط جدار
الخوف يذهب الناس وراء الوافد الجديد حتى ولو كان استعمارا مقنعا أو غير مقنع.
نزل الناس في
شوارع بغداد وانتقموا من طاغيتهم رمزيا بالضرب بالأحذية على تمثاله البرونزي في مشهدية
هستيرية أمام الكاميرات الغربية. كل هذا وغيره لم يدفع بأي رئيس جمهورية عربي إلى التفكير
في المسألة جديا، في مصيره، وكأن الموضوع لا يهم إلا الآخرين. أكثر من ذلك، القذافي،
في اجتماع للقادة العرب نبه الجميع بأن مصيرهم سيكون صداميا. ولم يفكر لحظة واحدة أن
مصيره سيكون أبشع مما يمكن أن يتصوره. إلا يدفع هذا على الأقل بالبعض إلى التفكير في
المصائر التراجيدية التي حدثت للذين يشبهوه في النظام وفي الحكم. لهذا فالحاكم العربي
حالة أنثربولوجية متأصلة تحتاج إلى تفكيك نظام تفكيرها قبل تفكيكها كمسارات ؟ فهو ظاهرة
لن تندثر إلا بالفهم العميق والفعل الديمقراطي الحقيقي بعيدا عن الانقلابات العسكرية
المتواترة.
أي انقلاب كيفما
كان هو توقيف لمسارات التطور والدمقرطة. ما يحتاج له اليوم الحكام كيفما كانت هوياتهم
اتفاق حقيقي بينهم وبين شعوبهم ونخبهم السياسية والفكرية على الحد الأدنى، على دستور
حيادي لا شيء فيه إلا ما هو أساسي خارج التسييس والمعتقد والإثنية، أي الابتعاد عن
كل ما يفرق والاهتمام بما يجمع. تلك وظيفة الدستور الذي يشتغل على الوفاقات الممكن
لتعيش أمة أو شعب في سلام. للناس حقهم في الإيمان بمعتقدهم وقناعاتهم السياسية والدينية.
ودستور يقع خارج
الإثنيات والأديان تحديدا لأن إثارتها في الدساتير ستدفع بالوطن العربي المتعدد الأعراق
والإثنيات والديانات إلى التقاتل، والإلحاح بالدرجة الأولى على المواطنة من منطق احترام
الحقوق والواجبات لكل الناس وبلا تفرقة بينهم، وحفظ أعراضهم وأموالهم من خلال مؤسسات
قانونية مستقلة وحقيقية. والتركيز في الدستور على نظام الدولة ومهمة كل مؤسسة وحدودها
بحيث يمكن للشعب محاسبتها في أي وقت. من هنا فالمواطن العربي يحلم بدستور صغير بلا
دباجات فارغة وأطناب، المهم أن يكون محصلة إجماع وطني على مواده المجردة من أي إيديولوجيا
مثل الدساتير العالمية الديمقراطية. بدون ذلك سيظل الحاكم العربي في نموذجه الفاسد
هو المتسيد أبدا. ولا تفعل التحولات والثورات شيئا فيه إلا إعادة أنتاجه وفق المقاييس
التي يفرضها العصر، ويظل هو هنا أبدا آلة تخلف وليس آلة تقدم وخير وتطور. هي عقلية
ومنطق وليس مجرد هوى.
0 التعليقات:
إرسال تعليق