google.com, pub-6282892942598646, DIRECT, f08c47fec0942fa0 سبتة بين الأمس واليوم: رحلة ألم يومي من أجل الخبز | الـوقـائـع بـريــس
الرئيسية » » سبتة بين الأمس واليوم: رحلة ألم يومي من أجل الخبز

سبتة بين الأمس واليوم: رحلة ألم يومي من أجل الخبز

كتبـه maafennan السبت، 1 فبراير 2014 | 2:57:00 م


إستطـلاع..
سبتة بين الأمس واليوم: رحلة ألم يومي من أجل الخبز

سبتة: أمينة التوبالي

بعد أن كانت سبتة المحتلة قبل الاحتلال البرتغالي ثم الاسباني فضاء للإشعاع الفكري والثقافي وأنجبت العديد من العلماء والأدباء والمثقفين, الذين ارتبطت أسماؤهم باسمها وذاع صيتهم في العالم العربي والإسلامي.
هاهي اليوم و مع الأسف الشديد, لم تعد سبتة العربية المسلمة سوى في سجل الذكريات والمخيلات فقط، لا اثر لتراثها الفكري والحضاري الذي كان يميزها كبوابة للمغرب على الأندلس، لقد تعرضت للاستلاب بجميع أنواعه كما تعرضت لطمس هويتها الأصيلة والأصلية واختفت معالمها واستبدلت بأخرى غريبة عنها، وتحولت من منارة فكرية وعلمية إلى اكبر سوق تجاري في شمال أفريقيا (طاراخال) الذي تحج إليه الناس من كل مكان. و يعرف هذا السوق فوضى تجارية لا مثيل لها في أسواق العالم, حيث اغلب رواده من التجار الذين لا يتوفرون على رقم ضريبي، الشيء الذي يدمر الاقتصاد المغربي و يدر أموالا طائلة للحكومة الاسبانية المستقلة بسبتة، إذ تعتبر المستفيد الأول من هذا الوضع اللاقانوني، فمساحة سبتة لا تتجاوز 25 كلم مربع وليست لها موارد صناعية أو سياحية وإنما لها موقع استراتيجي هام جعلها تعيش دينامية تجارية دائمة تجني من ورائها أرباحا لا تحققها حتى كبرى المدن الاسبانية رغم الأزمة الاقتصادية.
تستقبل مدينة سبتة بشكل يومي ثلاث أصناف من النساء المغربيات.
الفئة الأولى : وهن نساء من الطبقة الميسورة يأتين إلى سبتة من مختلف مدن المملكة المغربية من أجل "الشوبينغ"  لأنهن يدمن التسوق بمراكزها التجارية و يتوافدن بكثرة في موسم تخفيضات الأسعار نحو أجود الماركات العالمية وصار الأمر بالنسبة لهن" بريستيج " لابد منه.
الفئة الثانية: هي من النساء الحوامل المنحدرات من ضواحي سبتة، يلجأن إليها مختبئات عند الأقارب، غايتهن الحصول على الامتيازات القانونية المتمثلة في الحصول على الإقامة والجنسية الاسبانية بعد الإنجاب بمستشفيات سبتة، وحسب إحصائيات رسمية فقد عرفت نسبة الولادة من هذا النوع 35 في المائة سنة 2011.
أما الفئة الثالثة ، وهي أهم الفئات التي تشكل رقما قياسيا من حيث عبور سبتة وتنتمي إلى الطبقة الهشة, تعيش على التهريب المعشي, غايتها توفير مدخول يومي يغطي متطلبات الحياة. أعمارهن تتراوح مابين 30 و65 سنة تقريبا اغلبهن أرامل ومطلقات و من عجز أزواجهن عن توفير لقمة العيش بسبب المرض أو الحوادث، فمنهن من تشتغل لذاتها برأس مال وفرته عن طرق سلف آو بيع أشياء كانت تملكها وأخريات لا يتوفرن على رأس مال، بل يشتغلن «حمالات» أي يقمن بنفس العملية لكن لصالح آخرين يجدونهن في الانتظار كل صباح في الساحة الأمامية لمعبر البيوت ويتقاضين أجورهن مقابل هذه الخدمة وحسب نجاح العملية.
اغلب النساء ينحدرن من مدينة تطوان وضواحيها، إضافة إلى مدن مجاورة وخاصة القرى الجبلية حيث تحالفت الطبيعة و ضعف التنمية على ميلاد أنشطة اقتصادية داخلية تمكنهن من عمل بديل يغنيهن عن مغامرة تكلفهن الكثير من الجهد مقابل القليل من المال.
عملهن شاق جدا ومليء بالمغامرات والتضحيات، فالواحدة منهن لا يمكنها الخروج من بيتها إلا بعد أن تحضر لأسرتها كل ما تحتاجه لأنها ستغيب عنهم لساعات طوال، وقد يتعرضن خلالها أحيانا للأخطار ذهابا وإيابا بسبب خروجهن الدائم في منتصف الليل .
لقد سبق أن تعرضت الأغلبية منهن للاعتداء والسرقة من طرف لصوص الشوارع.
في كل مرة وأنا أعبر سبتة متوجهة للضفة الأخرى، إلا ودمعت عيناي ألما لرؤية مسنات، تجاعيد الفقر وظلم الزمن تكسو وجوههم يقفن لساعات طوال كل واحدة تعتنق قفة في صفوف مزدحمة يغيب فيها وجود الذكور إلا ناذرا.
أسئلة عديدة تنتابني مرات و أنا أنظر لهن بحسرة وشفقة, هل الدولة والقوانين تعلم بوجود مثل هؤلاء النساء؟ ماذا فعلت لهن الحركة الحقوقية؟ وعما إن كان أبناؤهن يحسن بمرارة عملهن؟ وهل سيكون لهن أبناء يعوضهم عن تضحياتهن ؟ فهن لا ينمن مثل البشر، أيعلم كل واحد منا ما معنى أن تحرم الأم نفسها من متعة السبات في جوف الليل وخصوصا أيام البرد القارس؟ أن تثقل سيدة ظهرها الذي دمرته الأمومة وشغل البيت بسلع ليست خفيفة الوزن فهي لم تجد سوى هذا الباب الذي تعبر منه مهانة وتخرج منه معذبة، حينها تذكرت جليا مفاد عبارة طالما رددوها شيوخ الصحراء «الله يغنينا عن جرية العيالات» بمعنى أنهم يطلبون الله ألا يرزقهم بمال تتعب فيه النساء راحة لها و تكريما و أن يجعلهم في غنى عنه.
فضولي جعلني في كل مرة أقترب منهن فترة الانتظار أرغب في سماع حكاويهن حكاية واحدة فقط تختزل المشترك.
يامنة نموذج لمعاناة العبور
- يامنة 55 سنة أرملة تعيل 5 أطفال وجدتهم, أي والدة أبيهم المتوفى. تحكي بأسى شديد عن معاناتها و ظروف العمل.
بعد وفاة زوجي الذي كان يشتغل في القطاع الحر سدت جميع الأبواب في وجهي، فكيف لسيدة في وضعيتي ليس لها أي مورد مكلفة بست أفراد أن تواجه هذا الواقع، لجأت لهذه المهنة لأنني لم أر سواها، فمدينة تطوان لا تتوفر على مصانع لتمتص بطالة المتعلمين والشباب فما بالك نحن، لكن الحمد لله أنني وجدت احد المحسنين قدم لي بركة لأبدأ بها مشواري الذي وجدت نفسي أتعايش معه رغم الصعاب التي تصاحبه، ومع ذلك فمن خلاله صارت همومي صغيرة أمام هموم آخرين، كنت في البداية أخشى من أن يعترض سبيلنا منحرفو الليل كان يسكنني الخوف دائما، حيث كنت أودع أبنائي كل يوم و أوصيهم على بعضهم وعلى جدتهم إن لم اعد إليهم، قبل أن اخرج أصلي الفجر و أنا أدعو الله طيلة الطريق أن يحفظني لهذه الأسرة من أي مكروه « كانقول مع راسي الفضل الكبير هو نرجع سالمة لولادتي»
مع مرور الوقت والدوام, إضافة أننا أصبحنا نخرج بشكل جماعي وأحيانا يرافقنا بعض أبناء الجيران من المعطلين الذين صاروا زملاء هذه المهمة.
صارت الأمور تتغير, فهذا العمل يفقد المرأة أنوثتها مهما كان حجم شبابها وجمالها بسبب قلة النوم انعدام والراحة أولا, ثم ما ينتظرنا طيلة النهار كحمل السلع المثقلة والصراع النفسي الذي تصادفه في هذا الفضاء يجعلنا شبيهات بالرجال.
من لم تتحل بالنفس الطويل صعب عليها الاستمرارية فبعضنا يصبر الأخر ونتضامن فيما بيننا إن كانت هناك خسارة.
إنها رحلة العذاب كما أسمتها للا يامنة، حيث منذ الساعات الأولى من ليلة كل صباح ترى العديد من الناس يهرولون بسرعة وكأنما احد يراوغهم رغم تفاوت أعمار بعضهم أفرادا وجماعة، لكن الغالبية منهم نساء متوجهات نحو ممر العبور من اجل الظفر بالأماكن الأمامية بغية ربح المزيد من الوقت، فهم يقضون ساعات طوال في انتظار فتح الممرات، فهناك من يكمل نومه واقفا برغم الصراخ الناتج عن الاكتظاظ وعنف الازدحام، لأنهم تعودوا على هذا الوضع الصراخ من حولهم لا يشكل لهم أي إزعاج.
فحسب إحصائيات الحكومة المستقلة لسبتة المحتلة فهي تستقبل أزيد من 30 ألف مغربي ومغربية في إطار عملية التهريب المعيشي بشكل يومي، الشيء الذي يخلف بطئا في المرور ويزيد من حدة الازدحام.
هذا الازدحام هو الذي سبق أن تسبب يوم 25 ماي 2009 في وفاة الضحيتين الزهرة بودغيري (53 سنة) وبشرى المرويتي ( 32سنة) وإصابة العشرات بجروح بليغة .
إذن كلما انتهت الإجراءات القانونية لهؤلاء العابرين عند السلطات المغربية والاسبانية تجدهم يهرولون مرة ثانية نحو المخازن أو «لخزايين» لابتضاع سلعهم بسرعة وربح المزيد من الوقت للعودة ثانية, حيث لهم الحق في الدخول ثلاث مرات في اليوم، والسلع التي تختص فيها النساء غالبا ما تكون جد بسيطة لا تتجاوز الألبسة والأغطية وبعض المواد الغذائية ثم بعض مواد التنظيف، في حين المهربين الكبار يتخصصون في أجزاء السيارات والشاحنات والأجهزة الالكترونية والسلع المستعملة وكل ما يمكن أن يحقق أرباحا بسرعة، لان رأس المال يختلف من فئة لأخرى, ناهيك عن فئة متخصصة في الممنوعات..
تضيف للا يامنة اسعد لحظتنا أن نتجاوز قبضة الجمركيين دون أن تحجز سلعنا ودون أن ندفع لهم أيضا, لكن ذلك نادرا ما يقع «ذاك الشي بحال شي معجزة " لأننا تعودنا منهم على السب والشتائم والصفعات أحيانا إن لم نستمع للأوامر «شحال من مرة نتوسل لهم نبوس اليدين والرجلين وبلا فايدة وما عندنا مانديرو إلا كان غير على الحكرة ولفناها « وفي حالة مانخسر نضطر للعمل عند كبار المهربين كحمالات نخرج لهم سلعهم بمقابل, لعله يعوضنا في الخسارة أو يمكن أن ندفعه مقابل إرجاع السلعة التي تم حجزها عند الجمارك « حيث الكبار كايشرو الطريق واحنا يفديو بنا راه دايرين خدمتهم غير مع الضعفاء طبعا»
تصمت للا يامنة قليلا ثم تضيف,» أحيانا أتسال لماذا لايدافع عنا احد، ألاننا نشتغل في التهريب « أش كانهربو بالسلامة شوية الشريوطات والفر ماج والصابون كانستفضلو فيهم لي قسم الله راه المحيح فينا ايدخل 80 درهم في نهاروا و إلا مادورش منها، واغلبنا يعيل اليتامى والمعوزين، هاد الوليات لي كاتشوفو ياما أرامل ياما تخلو عليهم رجالهم و وحلو فيهم الدراري، وكاينة لي جاتها شي أزمة مرض للراجل خلتو طريح الفراش وخا ايربحو 100 ألاف فرنك ماتكفي في النهار، راه كلوهم دايرات مع الفرماسي يعطيوه لي كتب الله حيت ماعندهاش أجرة قارة..».
«واش حنا كرهنا البديل أو لقيناه اوقلنا لا؟ تبكي للا يامنة قليلا وتضيف واش فراسكم هدوك لي سبقونا في الحرفة اغلبهم مصاب بالشلل راه ما يتلي فينا من هاد الخدمة غير الأمراض وحنا عارفين ولكن نقول من تم ال تم ربي تم والله يجعل البركة في وليداتنا حتى نكبرو ونلقاوهم ايعوضونا...»
أكثر ما يميز للا يامنة بالإضافة إلى قوة شخصيتها الوعي بقدرتها على تحليل الواقع .
وتختم للا يامنة حديثها: " إذا كان التهريب ممنوع عليه أن يمنع على الجميع وإذا ألزمت الدولة الضرائب عليها أيضا أن تلزم بها الجميع . هاد يك الساعة حتى واحد مايحس بالحكرانية والتميز والظلم ولي كان شي واحد في هاد البلاد كايدفع شي ضريبة قوية راه هما احنا، هاد الوليات لي كاتشوفو راه كايدفعو ضرائب أخرى، راه كاندفعوها بألمنا و من كرامتنا ومن صحتنا و من اجل وليدتنا يقروا ويلقو بيت يجمعهم ماشي نخليهم للشارع والتشرد ونصدرو للمجتمع وليدات فاسدين يتحولوا لمجرمين وقطاع الطرق، راه ولديتنا كايتميزو في قرايتوهم الحمد لله حيث حاسين منين جاياهم الخبزة..".
فبالرغم من صيحات جمعيات الضفتين حول واقع نساء التهريب بعد وفاة الضحية الثالثة السيدة حكيمة بيحة (48 سنة ) يوم 25 يناير 2010 والتي أطلق عليها اسم شهيدة الخبز، تاركة وراءها 4 أطفال بعد أن طلقت من زوجها و كرست لهم كل جهدها, لقد ضحت من اجلهم إلى أن توفيت اثر ضربة قاضية على رأسها من طرف جمركيين وهم يريدون نزع بعض سلع من فوق أكتافها حسب بلاغ العائلة التي كانت قد طالبت والجمعيات الحقوقية بتطوان بفتح تحقيق حول الحادث.
ومع ذلك فالأمور لازلت على حالها.
في الحقيقة مهما يختلف الجميع مع ظاهرة التهريب بكل أنواعه يبقى من واجب الحكومتين المغربية والاسبانية التدخل من اجل إيجاد إطار قانوني يحفظ الكرامة الإنسانية لهؤلاء الناس الذين يشتغلون في التهريب المعيشي البسيط والمقدر عددهم بالآلاف يعيلون من خلالها أسرا عديدة، فالدولة أخذت موقفا محايدا لا مانعته ولا أباحته، مما عقد الأمر وجعل المعبر يقترن بجميع أنواع الفساد الاجتماعي الحاضرة بقوة مثل الرشوة،السرقة ،الاحتيال، الظلم ، العنف ثم التحرش والتسول..بحيث هذا الوضع لا يلائم ما يطمح إليه جميع المغاربة خاصة مع وجود دستور جعل سمو المواثيق الدولية تسمو , كما لا يجب التضحية بأهم المكتسبات التي حققت في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن كرامة المرأة، فهنا المرأة كأم ومعيلة ومن الواجب الحفاظ على مكانتها المقدسة في المجتمع.
والغريب في الأمر انه لحدود الساعة لازال هذا الموضوع الذي يطرح إشكالا واقعيا لم تعط له قيمته الحقيقية مركزيا لا من جهات رسمية أو غير رسمية دون أن ننسى طبعا انه سبق لرجل الدولة فؤاد علي الهمة أن قام بواجب صلة الرحم لتلك المنطقة ولم يطرأ أي تغيير بعد زيارته التي علقت هؤلاء النسوة عليها آمالا.



0 التعليقات:

إرسال تعليق

لروح الممثل الراحل محمد البسطاوي

افتتـاحيـة

افتتـاحيـة
الوقـائـع بـريـس

وردة تبكي بليغ في بودعك


حامد مرسي دنجوان عصره


البدوية القتالة سميرة توفيق


لاني بنايم ولاني بصاحي أبوبكر سالم


بليغ وأم كلثوم لقاء الملك بالست


الرائعـة فايـزة أحمـد


عندما يتسلطن الموسيقار العميد


يا عطارين دلوني غناء أحلام


"ثلاثي التشخيص الراقي في "وجع التراب



لماذا لم يعد المغاربة يذهبون إلى السينما؟

لماذا لم يعد المغاربة يذهبون إلى السينما؟
ملف الوقائـع الأسبوعي

تابعوا الوقائع على فايسبوك

الوقائع بريس

مـن هنـا يبـدأ الخبـر الفنـي مـن الوقائـع بريـس ..

لمـاذا الوقـائـع بـريـس؟

مـن نحـن؟