google.com, pub-6282892942598646, DIRECT, f08c47fec0942fa0 عز الدين بوركة يكتب عن عبور التشكيلي سعيد الراجي | الـوقـائـع بـريــس
الرئيسية » » عز الدين بوركة يكتب عن عبور التشكيلي سعيد الراجي

عز الدين بوركة يكتب عن عبور التشكيلي سعيد الراجي

كتبـه said fardy الخميس، 12 مارس 2020 | 3:10:00 ص


 عز الدين بوركة

 الثقافية والفنية
 تشكيل
ذاكرة تجربة آن قطافها



معرض "عبور" للفنان التشكيلي سعيد الراجي بالدار البيضاء

الوقائـع بريـس
عز الدين بوركة

يعرض الفنان التشكيلي سعيد الراجي جديد أعماله الابداعية تحت شعار "العبور " إلى غاية 10 أبريل المقبل برواق دار الفنون بالدار البيضاء . تفاعلا مع مدارات هذه التجربة البصرية الجديدة ، كتب الشاعر والباحث الجمالي عزالدين بوركة مقالا جماليا موسوما ب"ذاكرة تجربة آن قطافها " في ما يلي نصه الكامل  :

يشتغل سعيد الراجي في مختبره كمجرّب لا يمل ولا يكل في بحث مستمر لتجديد مفرداته التشكيلية ومواضيعه البصرية، عبر تجريب كل ما يقع طوع يده وأمام عينيه. إذ بات يُوَحِّد في عمله بين ما هو تجريدي (صباغي) وما هو معاصر (استدراج الخامات والمواد إلى المنجز)، غير مُنحاز لأي تيار دون الآخر، بعدما كان يميل إلى العمل ضمن سياق تجريدي محض. لهذا فاللوحة التشكيلية عنده، مسرح من الخطوط والكتل الصباغية، واستحضار للطفولة عبر اشتغال على ما ترسب في الذاكرة بشكل واع وغير واع في الآن نفسه، عبر تلك والرموز التي تحضر في الغالب عبر أرقام في تسلسلات أو أعداد (إنها بمعنى من المعاني إحداثيات؛ هذا إلى جانب استدراج الكولاج فالفنان يشتغل على تجريب تقنيات متنوعة، من توظيف صفائح الفولاذ (إنها الذاكرة هنا أيضا تعاود الحضور، ذاكرة الأمكنة)، أو توظيف النحاس أو إعادة تدوير الدمى، التي ما هي إلا ذلك الطفل الذي كان عليه الراجي، والذي لا يتوقف عن الحكي الطفولي، فكل لوحة هي حكاية قصيرة؛ فكل شيء إذن، بالنسبة للراجي يعدُّ عملا فنيا أو جزءاً من عمل فني ممكن... حيث لا مكان للاممكن في ورشته. فأعمال هذا الفنان لا تتوقف عن التجدد المستمر، يوما عن يوم، داخل مرسمه.. ونحن هنا، في هذا المعرض، نقف إزاء أعمال تُبرز كل تلك المراحل التي مر بها منجز هذا التشكيلي طيلة السنوات الماضية، وشاهدة على المعادلة التشكيلية المعقدة التي ينتهجها في صياغة آثاره، بمهارة حرفي وبراعة فنان مصاب بناموس جنون التجريب اللامتناهي.
"لولا الحنين إلى جنة غابرة لما كان شعر ولا ذاكرة ولما كان للأبدية معنى العزاء". (محمود درويس 
.(

من الأعمال الحديثة  للفنان التشكيلي سعيد الراجي

 يكاد يكون اللون هو المادة التي يُخرج بها ومنها سعيد الراجي عوالم أعماله إلى الوجود، إذ عبره يُنتج أعمالا تجريدية أو شبه تجريدية تحتل فيها الأشكال محل شخوص في عملية وهم بصري بارع، أو عبر جعل اللون خلفيات لأعمال ناتئة  en relief يستعمل فيها الفنان خامات وأغراض مندمجة مع القماشة، في ما يمكن الاصطلاح عليه بتنصيبات installations معلّقة، أو جدارية. وذلك راجع لاشتغال الراجي على موضوع الجدار في جل أعماله، موضوع ظل مخلصا له طيلة مساره الحافل بالتغير والتجدد والقفزات المهمة. لهذا يستند في إنجاز آثاره الفنية إلى الشقوق أو التقشرات الصباغية أو الخربشات الطفولية المستوحاة من الجدران القصديرية لتلك المنازل العشوائية التي لم تفارق ذاكرته ومخيلته، منذ الطفولة، إذ شكلت بالنسبة إليه ذلك المسعى الجمالي الذي يصبو إلى إبرازه وتجسيده. إنها جدران متعلقة بصدمة المكان والدهشة المتولدة عنها في الآن نفسه. لهذا فما اللوحة عنده إلى إعادة تجسيد الجدار بكل ما يعتريها من شقوق وتقلبات زمنية وعوامل التعرية التي تؤثر عليه. وبكل ما يحمله من حمولات رمزية من إقصاء ومنع وحد وحاجز لابد من تجاوز، إلا أنه ما يلبث يعاود الحضور، لكن هذه المرة في هيئة "الجبل". إنها ذلك الماضي الذي علينا الصعود إلى قمته لتجاوزه، ونحتاج لذلك للمحو والإزالة، نوع من القتل الرحيم "لـلأب"، بالمعنى الرمزي، الذي نجد للفعل تجسيدا واضحا في عملية المحو التي ينتهجها الراجي تجاه شخوصه التي ما أن تبرز حتى تطالها سلطة الإضمار... "موت الأب" هنا بقدر ما خلق في ذات الفنان من رغبة في التخطي والقفز من على الجدار، فهو ولّدت في الذاكرة حنينا إلى البيئة، بيئة جبلية ينحدر منها الفنان، والجذور والأصول. فللأمكنة ذاكرة لا تشيخ. 


"الذاكرة بالنسبة للإنسان هي التجربة وهي التي تمنع الهزيمة !". (عبد الرحمن منيف)
لنسأل ما الفن إذن؟ إنه روح الطفولة التي لا تشيخ ولا تكبر، روح تسكن صاحبها المسمى "فنانا" (والحال هنا سعيد الراجي)، لا شيء في جبته سوى هذه الروح التي تتحرك بجنون في الفراغ لتنبثق عنها الأفكار من حيث لا يُحتسب، وهذا ما يسمى بـ"الخلق الإبداعي"، أي الإحساس المفرط بذاكرتك. وأن تُبدع يعني أن تعلق جسدك في الفراغ وتتدلى في مرآة الذاكرة، وحيدا مكتظا بأنواتك المتعددة، تعزف عزفا منفردا في جوقة لامتناهية، أي أن تخرج من العتمة عبر سلك درب "روحك"/ فنك. وما حسب الفنان سوى التلويح بيده في العتمة وهو يسلك طريقه نحو بقعة النور تلك. 





الفنان التشكيلي سعيد الراجي


"ليست يد الفنان هي التي ترسم بل عينه
الذاكرة قطار الفنان السريع إلى سدرة اللامنتهى
لا شيء يفنى، ولا شيء يُنسى
على حافة الإطار لا بد من أن تنبت الحقيقة مونعةٌ
وقد آن قطافها
يموت الفنان مع كل ضربة فرشاة
وكل لطخة هي جنين كائن على أهبة الحياة
الألوان بحور والكتابة حياة
الأحرف بشر والأشكال مدن
المنجز l’œuvre حضارة"

"الحقيقة في العمل الفني"، ولا حقيقة إلا للعمل الفني، بل "الحقيقة في الركيزة الصباغية subjectile"، هكذا أجدني أقرأ أعمال سعيد الراجي وأنا أتفحص تفاصيلها وأفكك مفرداتها البسيطة والمعقدة. والحقيقة هي "الظاهر الغابر"، وكم تبدو أعمال الراجي ضاجة بهذا "الظاهر الغابر"، الذي يستحيل الإمساك به، مهما اقتربنا منه، عصي على القبض وصعب المراس. وما الحقيقة، كما بيّن هايدغر، إلا كشف...لهذا ونحن نفكك ونحلل أعمال سعيد الراجي المعروضة في هذا المعرض، لا يجب أن نقف عند حدود ما هو ظاهر للعين من ألوان وأشكال وخامات، بل لا بد أن نحفر عميقا في أراضي الخفي (الغابر) حاملين مصابيحنا ومعاولنا ونحن نغور بعيدا في طبقات المنجز (روحه) العصية والمتهربة. كم هو صعب الحفر، وأية أرض سنحفر، ومنجز الراجي متعدد الأراضي ومتنوع الحقول؟  كلما كشفنا عن خبايا موضع وأسراره الفينة، فُتحت أراض جديد صوب أعننا تستدعي بدورها حمل الفنوانيس والمعاول لاستغوار وسبر عوالمها.
ليس سعيد الراجي من أولئك الفنانين الذين يحدهم الاطمئنان لتجربة ناجحة فيقفون عندها ويستنزفونها في تكرار يُنهي المنجز وصاحبه. إذ، وكما نلحظ في هذه المنجزات التي تستحضر تجربة سنوات، فالفن لدى الراجي يستقي مصادره من ذاكرة حية للأماكن والأزمنة. ويسعى الفنان إلى تجديد خلاياه ومفردات أعماله، في بحث لا منقطع عن بلوغ البلاغة التصويرية مجربا لكل الاستعارات والمجازات الممكنة، التي يلقي بها بحرية فوق الأسندة المتعددة لديه (من كرتون وخشب وقماش وغيره...). ويقدم المنجز الفني لدى هذا الفنان باعتباره معطى كليا لا يمكن فصل أجزاءه عن بعضها البعض، في بعد صارت فيه التجريدية لديه لا تحضر كنقيض للتشخيصية.
أنا ذاكرتي. وذاكرتي أنا .

عمل للفنان التشكيلي سعيد الراجي

في أعمال الراجي ليس المطلوب هو النظر فحسب بل القراءة أيضا، لا نعني هنا قراءة المكتوب من أحرف وكلمات الأرقام، بل قراءة المفردات الصباغية وقراءة ما تبوح لنا وتوحي به الخامات والأغراض المضافة بمهارة شاعر يتبع حدسه ومهارته في الآن نفسه. ومن هنا يمكننا أن "نكشف" عن الحقيقة القابعة في العمل الفني. لا بد لفعل ذلك من مشرطا التفكيك، حيث إن العمل الفني يغري دائما بالتفكيك، كما يرى دريدا. لكن هذه العملية تستدعي معها محبة عميقة "للعمل"، ما يدخل "القارئ" والمنجز في حالة "لعب" ولهو، بل رقص... ليقاوم بالتالي تفاهة العالم المادي، ويقيم في "عالم العمل الفني".



هكذا يبني سعيد الراجي عالمه/عمله الفني، في رقص ولهو ولعب، غير مكترث للنتيجة وغير مهتم بما يفعل، فالعمل الفني لديه لا يُنجَز إلا كصيرورة شعرية خالصة. إذ يطلق العنان للروح الطفولية التي فيه؛ روح "الجنون" التي تقوده صوب البحر لا اليابسة. و"نكاية في الاستقرار" يمتطي صهوة الموج. ليقيم في أعماق العمل الفني المتقلبة تقلب التأويل المتعدد واللامتناهي، وتقلب أمواجها كلما شق قارئ بمشرطه، في مسعى للكشف عن الحقيقة، قطعة القماش تلك.


شاعر وباحث جمالي


0 التعليقات:

إرسال تعليق

لروح الممثل الراحل محمد البسطاوي

افتتـاحيـة

افتتـاحيـة
الوقـائـع بـريـس

وردة تبكي بليغ في بودعك


حامد مرسي دنجوان عصره


البدوية القتالة سميرة توفيق


لاني بنايم ولاني بصاحي أبوبكر سالم


بليغ وأم كلثوم لقاء الملك بالست


الرائعـة فايـزة أحمـد


عندما يتسلطن الموسيقار العميد


يا عطارين دلوني غناء أحلام


"ثلاثي التشخيص الراقي في "وجع التراب



لماذا لم يعد المغاربة يذهبون إلى السينما؟

لماذا لم يعد المغاربة يذهبون إلى السينما؟
ملف الوقائـع الأسبوعي

تابعوا الوقائع على فايسبوك

الوقائع بريس

مـن هنـا يبـدأ الخبـر الفنـي مـن الوقائـع بريـس ..

لمـاذا الوقـائـع بـريـس؟

مـن نحـن؟