تشكيـل ..
التشكيلية شيماء الرياحي |
ثقافـة
وفنـون
الفنانة
التشكيلية التونسية شيماء الرياحي ... البحث عن الضوء الهارب
الفنانة
التشكيلية التونسية شيماء الرياحي (مواليد 1986
بمدينة مجاز الباب، مقيمة بمدينة
الدارالبيضاء) تابعت تكوينا فنيا معمقا بكل من المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة
و حاصلة على شهادة الماجستير بحث في جماليات و ممارسات الفنون المرئية عام 2014.
عرضت مؤخرا أعمالها التشكيلية برواق مؤسسة مسجد الحسن الثاني ضمن فعاليات الملتقى
الإبداعي "نظرات نسائية" وبرواق خميسة بالدار البيضاء بمبادرة من جمعية "إبداع وتواصل".
الوقائـع بريـس: كتـب الناقـد عبـد الله
الشيـخ
مناسبة
سانحة لتمثل مدارك هذه المبدعة التي خاضت
مغامرة التصوير الفوتوغرافي بوعي مزدوج، حيث تفاعلت مع جماليات المحيط الطبيعي بحس رومانسي أخاذ، وبملكة تحليلية
تتدارك الجوهري في البناءات المعمارية والمشاهد المجالية عبر لغة إيحائية تتحاور من خلالها وعبرها الأشكال والألوان.
كما
شاركت ضمن فعاليات الدورة الثالثة من الملتقى الدولي للفن التشكيلي "الأيادي
التي تبصر" التي نظمتها جمعية "إبداع وتواصل" تكريما لذاكرة الفنان
التشكيلي الرائد أحمد الشرقاوي برواق فضاء القبة بالدار البيضاء بشراكة مع جمعية
قدماء التلاميذ البيضاويين، و مجلس جماعة الدار البيضاء والأكاديمية العالمية للفن
التي يترأسها الفنان العالمي بريك هير والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار
البيضاء وجمعية الفكر التشكيلي.
بدون
تغريب أو استيلاب بصريين، حاولت الفنانة شيماء الرياحي رصد عدة أجواء مشهدية شبه واقعية، جاعلة من الألوان والأشكال
توليفة أكثر غنى وإيحاء. يبقى حسها الجمالي هو حارس المصادفات الجميلة التي تجعلها
متشبعة بما يباطنها ويخالجها من إشراقات وجدانية وحدسية معا. الفنانة المبدعة
واعية تماما بأن الإبداع الحقيقي هو
العاكس لمحيطه العام من خلال
خصوصية الألوان والمعالم الإيحائية، داعية
إيانا لتبصر أعماق الروح والإدراك العقلي.
فهذه
الفنانة الفوتوغرافية تستعيد الأزمنة المفقودة للمغرب عبر فضاءات تصويرية تزاوج
بين التشخيص التعبيري، والإيحاء البلاغي . إنها
تزهو بالإرث الحضاري المشترك بثقة حازمة ، وخطى حثيثة دونما جلبة أو عجعجة.
تراها متماهية مع عوالمها الداخلية التي تؤثث حالاتنا الروحية على امتداد مساحات
إيحائية تدعونا للسفر، وارتياد مجاهل الذات. نحلق بدون أجنحة، علنا نرقى بأحاسيسنا
السماوية إلى مدارك الروح.
تحدق
الفنانة شيماء إلى النور الطبيعي المغربي بعيون يقظة، وتقبض على لحظاته الهاربة
بأنامل وديعة، منصتا لنغمات الروح من وراء ضجيج الحضارة المدنية، وجلبة سكانها
العميان بصريا. فضلت الإقامة الاختيارية
بعاصمة المغرب الاقتصادية، رافعة صورها الإنسانية إلى صناع حقيقة الجمال، والخير،
والحق، وكأنها تردد بلغة الحالمين مقولة جبران خليل جبران: "أعفني من مآتي
السياسة، وأخبار السلطة، لأن الأرض كلها وطني وجميع البشر مواطني" (دمعة و
ابتسامة). ألوان المغرب الناصعة والبهية فتحت بصيرتها، و طيبوبة المغاربة جلت
نظرها الداخلي، والرأسمال الطبيعي علمها لغة القلوب والعقول معا.
عندما
تسألها عن سر الجمال البصري، تجيبك بلكنتها الواثقة: "إن مملكة الجمال كمدينة
الخيال. إنها عرس يخفر بابه مارد جبار، فلن يدخله إلا من لبس ثياب العرس، أقصد
ثياب المعرفة الجمالية.".أهدت الفنانة شيماء
كل عوالمها الفنية التي أنجزها بالمغرب إلى الأرواح المتحررة من قيود
المادة، معتبرة الإبداع مجازا بصريا يعانق الحقيقة و يشاكسها بشغب و حكمة. إنها
حقائق من سيرتها الذاتية التي انطبعت بمحطاتها التكوينية المذكورة.
هكذا
تفصح أبحاثها الإبداعية عن هوس شديد بالحقائق الذاتية التي تبين أسرار النفوس، وتذكي
شرارات التحليل و التأويل. فعلى مسرح أحلامها المذكورة، رأت الفنانة شيماء
الرياحي جمال المغرب عريسا، و طبيعته
الحية عروسا، والإقامة الاختيارية به ليلة زفاف متجددة. إنها أبت إلا أن تقدم ما
تبقى من سجل حياتها إلى هذا البلد المتوسطي الذي احتضن أول معارضها خارج العواصم
الغربية ، و هو ثاني نسمة من عواصف مذكراتها اليومية. فالمغرب من منظورها الجمالي
روح نبيلة تحب النسمات وتسير مع العواصف!
إن الفن،
كما تتصوره الفنانة شيماء، ديانة باطنية، و حياة مقدسة. أليس الجمال دين الحكماء
كما ورد على لسان شاعر هندي؟ أليس الجمال، أيضا، نصيب المتأملين بتعبير جبران خليل
جبران؟ ألا يتساوى الموت والحياة بالجمال؟
في بحار
ألوانها المتدفقة، وعوالمها المجازية، يهيم المتلقي ، و يصغي لأنغام الذات المعزوفة
على قيثارة الروح. تقول في هذا السياق:" لقد أعطاني المغرب عينا ترى الجمال.
فأنا غنية بسعادتي الداخلية، لا بثروتي الدنيوية. فما أكثر الفقراء بأموالهم، و ما
أقل الأغنياء بسعادتهم." تذكرت حينها
قول جبران خليل جبران :"السعادة صبية تولد، وتحيا في أعماق القلب، ولن تجيء
إليه من محيطه".
الفنانة
شيماء، قوة هادئة وهادرة في الآن ذاته. فنانة تعيد بناء عوالمنا الداخلية والخارجية
معا موغلة في متاهة الأزمنة المفقودة، وجاعلة من المكان البطل الإشكالي للوحاتها
الفنية. لكل مؤشر بصري سطوته في التاريخ الخاص، فهو دعوة مجازية للبحث في الماضي،
و التدرج من المرئي إلى اللامرئي. لكل مؤشر بصري،أيضا، حكايته التي تسامر وحشتنا و
تناجي نفسنا. تبوح الفنانة شيماء في ضيافة
أعمالها الشذرية:" "يعد التصوير الفوتوغرافي من الفنون المرئية، فهو
عبارة على الرسم بالضوء. وهو التذوق الفني الجمالي لمشهد طبيعي كان أو تركيبة فن ية.
مثيرا بذلك كل علامات الدقة في الإبداع. إن العالم الذي يسكن صوري التوثيقية هو
قلوب الناس، فهي كل ما نظنه عالما. فعلينا أن نتعلم النور من الظلمة، و المعرفة من
الجهل، و الجمال من القبح.".
(ناقـد فنـي)
0 التعليقات:
إرسال تعليق