وجهـات نظـر..
"القتل الثاني لشهداء رابعة" هم يُضحك… وهم يُبكي
سليـم عـزوز
عشنا وشفنا’ قناة تلفزيونية
تحصل على حق البث الحصري لمجزرة، بعد أن تبين لنا أن فضائية نجيب ساويرس ‘أون تي في’
حصلت على حق البث الحصري لمذبحة رابعة. ومن سوء حظ حافظ الأسد، أنه دمر حماة، في مرحلة
سابقة، فربما لو عاش ليكون قراره الآن بالتدمير، لتمكن من فتح مزاد تنافسي للفضائيات
المختلفة، لتصبح الفضائية سعيدة الحظ هي التي يرسي عليها العطاء بالبث الحصري للمذبحة!
وإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي
السابق أيهود أولمرت قد أسعفه الحظ بإقرار حق البث الحصري لعملية احتياج غزة، فربما
مكنه ذلك من أن يعلن في الكنيست عندما تحققت هزيمته في هذه الحرب، أنه در أموالاً وفيرة
للاقتصاد القومي من إحدى الفضائيات التي حصلت على حق البث الحصري للمجزرة. فإذا كان
قد خسر الحرب، فمؤكد أنه انتصر في مجال الاقتصاد، لتصبح النتيجة التعادل.. هزيمة هنا
وانتصار هناك!
هذا الكلام يسري بطبيعة الحال
على كل المذابح التي تعرضت لها الإنسانية ومن بينها مذبحة صابرا وشاتيلا. لكن من سوء
حظ من ارتكبوا المذابح السابقة على مذبحة رابعة، أن حق البث الحصري للفضائيات لم يكن
قد تم تدشينه، ومن حسن حظ الانقلابيين في مصر أنه حصل في عهدهم، فمنحوا حق البث الفضائي
لمجزرتهم الأشهر، لفضائية ‘أون تي في’!
الذي كشف هذا الحق الذي فازت
به المحطة سالفة الذكر، هو ناصر أمين الحقوقي السابق، والناشط السياسي الحالي، وهو
يتلو علينا ما تيسر من تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان حول مذبحة رابعة، في مؤتمر
صحافي مهيب، حيث حصل التلفزيون المصري على حق البث المباشر له.. حصرياً، ونقلت عنه
الفضائيات الأخرى هذا المؤتمر، وقد سعدت بدوافع وطنية وأنا أرى ‘ لوغو’ تلفزيوننا الباسل
على شاشات الفضائيات التي نقلت هذه المؤتمر الفضيحة!
ناصر أمين ذكر اسم ‘أون تي
في’ أكثر من مرة، فهي القناة التي اعتمدوا في لجنة تقصي الحقائق على فيديوهاتها وهم
يعدون تقريرهم المهم، ولا نعرف لماذا لم يتم الاعتماد على ما نقلته الفضائيات الأخرى،
وكان عدد من الفضائيات قد بث المجزرة بالمخالفة لحق البث الحصري الذي حصلت عليه ‘اون
تي في’، من الجهات المالكة لحق البث.
بالأمــر المباشــر
الذي لفت انتباهي، والحال
كذلك، ليس أنها أول مرة يجري فيها التعامل مع المجازر على أنها مسلسلات رمضان، ومباريات
كأس العالم، فيتم منح حق البث الحصرى لفضائية ‘أون تي في’، فما لفت انتباهي هو أنه
أستقر في وجداني أننا أمام عقد فساد.. ألم أقل لكم ‘هم يُضحك.. وهم يُبكي’؟!
فلم يتم الإعلان عن ‘مقاولة
فض رابعة’ لتتقدم الفضائيات الراغبة في الحصول على حق البث الحصري بمظاريف مغلقة، يتم
فتحها من لجنة مكلفة بفتح المظاريف في شفافية، ليفوز بذلك من يتقدم بأعلى سعر، أو أن
يدعو الداعي لمزاد علني حول عملية البث الحصري هذه!
فمن الواضح، أن حق البث،
تم منحه لفضائية ‘ أون تي في’ بالأمر المباشر، وهذا يجعلنا نقف على أننا أمام عقد فساد.
ألم اقل لكم ‘هم يُضحك.. وهم يُبكي’؟!.
ما علينا، فعبر التلفزيون
المصري، الذي نقل ‘حصرياً’ وقائع المؤتمر الصحافي، تم الترويج لقناة ‘أون تي في’ التي
ذكر ناصر أمين اسمها أكثر من ثلاث مرات.. محظوظة هذه القناة، لأنها حصلت على البث الحصري
بالأمر المباشر لمذبحة رابعة، ولأنه تتم الدعاية لها في مؤتمر صحافي حاشد ‘إعلاناً
غير مدفوع الأجر’، ولا شك أنها تستمد حظها من صاحبها، الذي تمت تسوية الضرائب التي
عليه في إحدى الصفقات التجارية، وهي بالمليارات، فدفع للدولة جزءا في عهد مرسي، وتم
تأجيل الجزء الثاني ليقع الانقلاب، فلا يسأله احد عن هذه التسوية التي وقعها مع نظام
سقط، وسقطت معه كل اتفاقاته. وقد قرأت لمن يقول إن عبد الفتاح السيسي كلما ذكر الفقراء
‘غرغرت عيناه’.. فذكرني بالغرغرة عندما يحدث انسداد في البلعوم!
الوريــث الوحيـــد
هذا الذي ‘غرغرت عيناه’ من
الغرغرة، لم يعرف لانقلابه انحيازاً للفقراء ولو على مستوى الخطاب، فهو منحاز للإقطاع
وخاضع لسيطرة رأس المال، ومع ذلك يقول الناصريون: إنه عبد الناصر. ويقول نجل عبد الناصر
إنه الوريث الوحيد لوالده. ولم نجرب على نجل عبد الناصر اهتماماً سياسياً إلا بعد الثورة،
التي منحت الحرية للجميع، وعندما انقلب عليها العسكر لم يكن هو بحاجة للحرية ليتكلم،
فقد كان في انحيازه للاستبداد ما يحميه.
ذكر اسم ‘أون تي في’ على
هذا النحو الدعائي جعل أحد الزملاء في المؤتمر الصحافي يظن أن من يتلو التقرير أشاد
بها، وهو الزميل الذي نجح مع زميلة له في أن يكشفوا للمشاهدين أننا إزاء فضيحة من العيار
الثقيل، تليق بالانقلابيين ويليقون بها، وكلما قرروا الفرح بشيء، أحيط بهم سرادقها!
تذكرون الزفة الفضائية التي
نصبت بمناسبة مباراة مصر وغانا، وكيف اعتبر القوم أن مجرد تذكر اسم الفريق السيسي سيكون
هذا حافزاً لهم على هزيمة ‘العدو’، وكانت النية تتجه لتحويل الانتصار المفروغ منه على
أنه انتصار للسيسي باعتباره من سجل الأهداف بقدمه الشريف.
فإذا بالمباراة تتحول إلى
فضيحة، وإذا بالهزيمة ساحقة وماحقة، وإذا بسيرتهم تصبح على كل لسان، ويأتي الفريق القومي
من هناك يجر خلفه أذيال الهزيمة، وكان قد تم الدفع بمشجعين يُخبئون صور السيسي حتى
إذا حدث النصر رفعوا صوره باعتباره راعي الرياضة في البوسنة والهرسك، ‘وهموا بما لم
ينالوا’.
وتذكرون يوم أن استعدوا لإقامة
الأفراح والليالي الملاح، بمناسبة إعلان نتيجة دستورهم، ولأن الشيء إذا زاد على حده
انقلب إلى ضده، فقد كانت ليلة إعلان النتيجة، واحدة من ليالي المسخرة في التاريخ، بعد
أن تجاوز رئيس اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات حدود اختصاصه، وتحول إلى ناشط
سياسي، وخطيب دون أن يمتلك المقومات الأساسية اللازمة للناشط، ودون أن تتوافر فيه بلاغة
الخطيب. ومن سوء حظهم أن نقل خطبته كان على الهواء مباشرة، وعلى قاعدة ‘حصري للتلفزيون
المصري’.
الخطيب كان يهمز ويلمز في
الإخوان، فافتقد شرط الحياد أمام الرأي العام العالمي قبل المحلي، وأوغل في التاريخ
بجهل فأضحك الأمم، وألحن في خطبة واحدة، حتى بلغ ما تم حصره سبعين خطأ نحوياً، وأخطاء
في أسماء لأشياء لا يمكن لطالب في المرحلة الابتدائية أن يخطئ فيها.. وكانت ليلة ليلاء!
وقبل هذا، أعدوا عدتهم في
أول جلسة لمحاكمة الرئيس محمد مرسي، واستعدوا لتقديمه للرأي العام مهاناً، فإذا بالمحاكمة
تمثل تدشين مرسي الزعيم، الذي كنا نستكثر عليه وظيفة الرئيس.
شهــادة البلتاجــي
والمثير أن ناصر أمين قال
إن المجلس القومي لحقوق الإنسان وهو يضع تقرير تقصي الحقائق هذا، اعتبر شهادة الدكتور
محمد البلتاجي من فوق منصة رابعة شهادة محورية، وأذيعت الشهادة لأنها تحدد أعداد القتلى
حتى الواحدة ظهراً فلم يتجاوزا ثلاثمائة ألف قتيل (فقط!). مع أن ظروف استشهاد كريمة
البلتاجي تؤكد عدم إلمامه بالموقف من أطرافه، فقد استشهدت ولم يعلم إلا بعد فترة في
هذا اليوم العصيب. فضلا عن أن ‘الشهادة المحورية’ المعتمدة هكذا لدى اللجنة الموقرة،
قال فيها البلتاجي إن هناك قناصة يتبعون للجيش أعلي البنايات. ولم يحقق التقرير في
هذا الأمر!
وانبرت الزميلة أميرة بجريدة
‘الشروق’، وهي معادية للإخوان، ولحكم مرسي، ولها كتابات متجاوزة في حقهم وهي منحازة
للانقلاب. بيد أنها تحدثت بمهنية فإذا بالتقرير ينهار في أربع دقائق وإذا بناصر أمين
يرتبك ويتحدث كثيراً ولا يقل شيئاً!
أميرة ذكرت التناقض بين التقرير
المبدئي، والتقرير الذي أذيع الآن وما جاء في ‘تجميع الباحثين’ عن أعداد القتلى، وأكذوبة
الممر الآمن، وقد ذكر التقرير الذي لديها نسخة منه أن قوات الأمن منعت سيارات الإسعاف،
وكيف أنه تم حذف اشتراك قوات الجيش في فض رابعة.
شفت أميرة ‘غليلنا’، وكانت
كمن ألقى ‘كرسياً في الكلوب’ فحول الفرح إلى مأتم، وترنح ناصر أمين في كلامه. وجاء
يكحلها فأعماها!
تجاوز أمين السؤال عن عدم
ذكر اشتراك قوات الجيش، وقفز عليه عندما أعاده زميل آخر لم تظهر الكاميرا وجهه على
عكس أميرة التي ركزت عليها الكاميرا.
لمن لا يعلم، فان مجلس حقوق
الإنسان، الذي أعد التقرير الفضيحة، هو ‘مجلس ضرار’ من الاختيار الحر المباشر لسلطة
الانقلاب، وبالتعيين. وهو يضم في عضويته كل أعداء حكم الرئيس المنتخب. ولمن لا يعلم
أيضاً أن التقرير تم إعداده قبل شهر ونصف، وأنه قيل في النهاية أنه سيسلم للرئيس ليقرر
أمره لأنه فيه ما يضر بالأمن القومي للبلاد.. فلماذا تم الإفراج عنه الآن، وماذا في
ما تلاه ناصر أمين يضر بالأمن القومي؟!
والسؤال: لماذا تم الاعتماد
فقط على ما بثته شاشة ‘أون تي في’ دون سائر الشاشات الأخرى، وكانت عشرات الفضائيات
تنقل الجريمة من هناك بالصوت والصورة فلم نشاهد مسلحين وإنما شاهدنا جرافات تسحق البشر،
إنه القتل الثاني لشهداء رابعة!
صحافي من مصر
selimazouz@gmail.com
0 التعليقات:
إرسال تعليق