وجهات نظر..
الاستفتاء الدستوري
"مبايعة" شعبية للسيسي رئيسا..
وقصة خلافي مع هيكل حول
"الانقلاب" في مصر
عبد الباري عطوان
الفريق أول عبد الفتاح السيسي الرجل
الأقوى في مصر لم يتلفظ باسم الرئيس بشار الأسد منذ إطاحته بالرئيس المنتخب محمد
مرسي، وتجنب كليا، ولم يسمح لأركان حكمه، بالتطرق مطلقا إلى الأزمة السورية سلبا
أو إيجابا إلا ما ندر، ولكن هناك قاسما مشتركا بينه وبين نظيره السوري، أن كليهما
يقول بأنه "مستعد لخوض انتخابات الرئاسة إذا طلب الشعب منه ذلك”، مع اعترافنا
المسبق بأن المقارنة ليست في محلها لاختلاف ظروف الرجلين وبلديهما، ونحن نتحدث هنا
عن جزئية الترشيح للانتخابات فقط.
الرئيس بشار الأسد سيتجنب الدعوة إلى
انتخابات رئاسية في تموز (يوليو) المقبل مثلما ينص “الدستور” ولكنه لن يتردد في
خوض هذه الانتخابات، والفوز فيها، إذا كانت الظروف مواتية وفق الموازين العسكرية
على الأرض والمناخين الإقليمي والدولي في الوقت نفسه، خاصة إذا أجريت في المناطق
التي تسيطر عليها قواته فقط.
ومن المفارقة أن الفريق السيسي الذي يتأهب
لخلع البذلة العسكرية، واستبدالها بأخرى مدنية، سيخوض انتخابات الرئاسة في الوقت
نفسه، بل وفي الشهر نفسه، تموز (يوليو) المقبل، حسب “خريطة الطريق” التي وضعها
وتنص على ذلك حرفيا بعد التصويت بـ”نعم” على الدستور في الاستفتاء الذي سيطرح على
الشعب بعد غد (الثلاثاء).
الاستفتاء لن يكون الهدف منه إقرار دستور
يؤكد وضع كل السلطات في يد الرئيس ويبقى سلطات الجيش كاملة، وتحصينه من أي مسائلة،
وإنما أيضا من اجل مبايعة الفريق السيسي وإظهار الدعم الشعبي الهائل له، تماما مثل
مظاهرات 30 حزيران (يونيو) التي وفرت له الغطاء الشعبي للإطاحة بالرئيس مرسي.
الشعب المصري سيهتف بحياة الفريق السيسي،
وسيطالبه بالترشح للرئاسة، وسيفعل الجيش الشيء نفسه، ويمنحه التفويض الذي يريده،
ولكن هل ستؤدي عملية تتويج الفريق السيسي رئيسا للبلاد، وهي قادمة حتما، إلى
الاستقرار في مصر، وقيادتها إلى بر الأمان؟
الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور قال
" إن إقرار الدستور الجديد المقرر الاستفتاء عليه يومي الثلاثاء والأربعاء
المقبلين سيمهد الطريق لوجود رئيس ومجلس نيابي منتخبين، ولكن كيف ستكون هذه
الانتخابات نزيهة ومثمرة وعادلة في ظل عمليات الإقصاء لحركة الإخوان المسلمين
القوة السياسية التي فازت بأكثر من ستين في المائة من مقاعد البرلمان المحلول؟
***
التقيت في بيروت قبل شهر الأستاذ محمد
حسنين هيكل احد ابرز المنظرين والمؤيدين لخريطة الطريق المصرية وحركة التغيير التي
أطاحت بحكم الرئيس مرسي، وكان عاتبا علي لأنني اصف ما حدث يوم الثالث من تموز
(يوليو) الماضي بأنه انقلاب عسكري في كتاباتي ومناظراتي التلفزيونية، وحاول أن
يقنعني بان ما حدث هو ثورة شعبية، واحمد الله انه لم يتهمني بالانتماء لحركة
"الأخوان" لأننا نعرف بعضنا البعض منذ أكثر من ثلاثين عاما.
الأستاذ هيكل، أكد لي، وفي حضور عدد من
الأصدقاء المشتركين، انه التقى الفريق السيسي قبل خمسة أيام لمدة ثلاث ساعات وأكد
له، أي الفريق، انه لن يترشح في أي انتخابات للرئاسة، ولن يخلع البدلة العسكرية
مطلقا، وأحسست أن الأستاذ هيكل كان مرتاحا لهذا القرار، أو انه يعكس تمنياته على
الأصح، ويفضل أن يحكم مصر مجلس رئاسي في هذه المرحلة وليس رئيسا تتجمع كل
الصلاحيات في يديه.
نحترم رغبة الشعب المصري وحقه في الاختيار
الحر، ولكن علينا أن نسأل سؤالا واضحا، وهو عن الانجازات التي حققها الحكم المؤقت
الحالي في الأشهر الخمسة الماضية على الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية،
والأخيرة هي الأهم في رأيي، حتى نعتبرها مقياسا أو مقدمة للمرحلة الدائمة.
اطرح هذا السؤال لان “المشانق” السياسية
جرى تعليقها للرئيس السابق مرسي منذ اليوم الأول لرئاسته، واذكر جيدا إن المحاكمة
الشرسة والقاسية لحكمه بدأت بعد اكتمال المائة يوم الأولى منها، وصدر الحكم بالفشل
المطلق، وانطلاق المظاهرات لإسقاطه دون تردد، وتوظيف الآلة الإعلامية الجبارة التي
يتزعم معظمها رجال النظام المباركي في هذا الإطار.
لو أجرينا جردة حساب علمية بعيدا عن
العواطف والتمنيات، نجد أن الوضع الاقتصادي المصري لم يتحسن إلا بقدر طفيف رغم ضخ
المثلث السعودي الإماراتي الكويتي ما يقرب من العشرين مليار دولار في الخزينة
المصرية على شكل مساعدات وسندات بشروط ميسرة للغاية. أما الوضع الأمني فازداد سوءا
بسبب السيارات المفخخة التي لم تعرفها مصر منذ ثلاثين عاما، وكل يوم يسقط قتلى
وجرحى من جراء الصدامات بين الأمن والمتظاهرين المؤيدين لعودة الشرعية الانتخابية
وحكم صناديق الاقتراع، ولم نسمع عن أي محاسبة أو محاكمة وإنما التجاهل الكامل أو
المديح والإطراء.
***
القبضة الحديدية التي يستخدمها الفريق
السيسي ضد معارضيه خلقت مشاكل أكثر مما أنجزت حلولا، وهذا ليس مفاجئا او مستغربا،
فمعظم الأنظمة التي لجأت إلى سياسات الإقصاء والاجتثاث واستخدمت الحلول الأمنية ضد
خصومها وأسقطت الحوار والحلول السياسية من حساباتها، لم تنعم بالاستقرار المأمول،
ونظام نوري المالكي في العراق وبشار الأسد في سورية، وحميد كرزاي في أفغانستان،
بعض الأمثلة التي تثبت ما نقول.
الفريق السيسي وضع خريطة طريق تؤدي في
نهاية المطاف إلى انتخابه رئيسا للجمهورية، ولم يطرح أي مشروع نهضوي متكامل لإنقاذ
مصر والمنطقة العربية من أزماتها على غرار ما فعل نموذجه التي يقول انه يقتدي به
أي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
الرئيس عبد الناصر أطاح بحركة الإخوان
المسلمين واعدم مفكرها الدكتور سيد قطب، ولكنه، اختلفنا معه أو اتفقنا، استند إلى
مشروع وطني سياسي واقتصادي واجتماعي، انحاز من خلاله إلى الفقراء،
و"اجتث" الإقطاع، وأطلق منظومة الإصلاح الزراعي، وألغى
"ارستقراطية" التعليم، وفتح الكليات العسكرية لأبناء الفلاحين والعمال،
وأطلق ثورة ثقافية، وقاد العالم الثالث بأسره ضد المشروع الصهيوني والهيمنة
الأمريكية وفوق كل هذا وذاك بنى السد العالي الذي حمى مصر من الجوع والجفاف
والفيضانات، ونقول هذا رغم تحفظنا على بعض أخطائه وأبرزها غياب الديمقراطية.
نتمنى أن نعرف ويعرف معنا الشعب المصري،
ونحن على أبواب البيعة للفريق السيسي مرشحا "مضمون الفوز″ للرئاسة، مشروعة في
مرحلة ما بعد انتخابه، أو الخطوط العريضة له، حتى يطمئن قلبنا، ومعنا ملايين
الحريصين على مصر وأمنها واستقرارها ونهضتها والمتعطشين لقيادتها.
0 التعليقات:
إرسال تعليق